للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على البرّ والتقوى، ورحم قويّهم ضعيفهم، ونزل غنيّهم لفقيرهم عن حظّ من ماله. وهذه هي الزكاة والمزيد عليها هو الصدقة.

والقرآن يقرن الزكاة إلى الصلاة في كثير من المواضع. وقد تلوت قوله تعالى: (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) «١» . ويقول تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) «٢» . ويقول جلّ شأنه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) «٣» .

والآيات التي تقرن الزكاة إلى الصلاة كثيرة.

وما ورد في القرآن عن الزكاة وعن الصدقة مستفيض قويّ غاية القوّة. وهو يضع الصدقة في المكان الأول من فعل الخير الذي يجزى الإنسان عليه الجزاء الأوفى. بل هو يضعها إلى جانب الإيمان بالله حتى لتشعر بأنها تكاد تعدله بقوله تعالى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ. ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ.

إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) «٤» . ويقول جلّ شأنه: ( ... وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) «٥» . ويقول تبارك وتعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) «٦» .

[أدب الصدقة]

ولا يقف القرآن عند ذكر الصدقات، ومثوبة صاحبها عند الله كمثوبة من آمن به وأقام الصلاة، بل ينظم أدب هذه الصدقات تنظيما هو السموّ كله. يقول تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) «٧» . ويقول: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) «٨» . ويقول جل شأنه في بيان من تكون لهم هذه الصدقات: (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) «٩» .

[الزكاة عبادة]

الزكاة والصدقة فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه، لكن أعبادة هذا الفرض، أم هو أدخل في الأخلاق وتهذيبها؟ هو عبادة لا ريب؛ فالمؤمنون إخوة، ولا يتم إيمان المرء حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه. فالمؤمنون يتحابون بنور الله بينهم. وفريضة الزكاة والصدقة تتصل بهذا الإخاء، ولا تتصل بالأخلاق وتهذيبها ولا بالمعاملات وتنظيمها. وما اتصل بالإخاء اتصل بالإيمان بالله. وكل ما اتصل بالإيمان فهو عبادة. ولذلك كانت الزكاة ركنا من أركان الإسلام الخمسة. ومن أجل ذلك قام أبو بكر بعد وفاة النبيّ يطالب المسلمين بأدائها، فلمّا رأى بعضهم النكول عنها، رأى خليفة محمد في هذا النكول ضعفا في إيمانهم


(١) سورة البقرة آية ١٧٧.
(٢) سورة البقرة آية ٤٣.
(٣) سورة المؤمنون الآيات من ١ إلى ٤.
(٤) سورة الحاقة الآيات من ٣٠ الى ٣٤.
(٥) سورة الحج آيتا ٣٤ و ٣٥.
(٦) سورة البقرة آية ٢٧٤.
(٧) سورة البقرة آية ٢٧١.
(٨) سورة البقرة آيتا ٢٦٣ و ٢٦٤.
(٩) سورة التوبة آية ٦٠.

<<  <   >  >>