بيت الله المقدّس، اجتماعا يضم الثائرين على الشرك وعلى الوثنية والمقيمين على هذا الشرك وهذه الوثنية، تناقض غير مفهوم. وإذا استطاع أحد أن يفهم حج اليهود والنصارى جميعا إلى بيت المقدس على أنه أرض المعاد لليهود ومولد المسيح للنصارى، فلن يستطيع أحد أن يفهم اجتماع عبادتين حول بيت تحطّم فيه الأصنام وتعبد فيه الأصنام التي حطّمت. لذلك كان طبيعيّا أن يحال بين المشركين وبين الاقتراب من البيت الذي طهر من الشرك ومحيت منه كل معالم الوثنية. وفي هذا نزلت الآيات من سورة براءة. لكن موسم الحج بدأ والمشركون قد أتى منهم من أتى من كل فج يقضي مناسك حجه، فليكن هذا الاجتماع أوان تبليغهم أمر الله بنقض كل عهد بين الشرك والإيمان إلا من عهد عقد لأجل فإنه يبقى إلى أجله.
ولهذه الغاية أوفد النبيّ عليّ بن أبي طالب كي يلحق بأبي بكر. وكي يخطب الناس حين الحج يوم عرفة بما أمر الله ورسوله. وحضر عليّ، في أثر أبي بكر والمسلمين الذين برزوا إلى الحج معه، كي يؤدّي رسالته.
فلمّا رآه أبو بكر قال له: أمير أم مأمور!. قال عليّ بل مأمور. وأخبره بما جاء فيه، وأنّ النبي إنما بعثه في الناس لأنه من أهل بيته. فلما اجتمع الناس بمنى يؤدّون مناسك الحجّ، وقف عليّ بن أبي طالب وإلى جانبه أبو هريرة، فنادى عليّ في الناس يتلو قوله تعالى: