للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١- أن يكون المشبه به هيئة منتزعة من أمور، لم يعبر عنه بمفرد دال عليها كلفظ "مثل" أو لفظ "حال"١.

٢ أن يذكر بعد الكاف ونحوها بعض هذه الأمور التي انتزعت منها تلك الهيئة- مثال ذلك قول الله سبحانه: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} - فليس الغرض: تشبيه حال الدنيا "بالماء" حتى تكون الآية مما ولي فيه المشبه به كاف التشبيه. بل المراد. تشبيه حال الدنيا في نضارتها وغضارتها، وما يعقب ذلك من زوال متاعها، وامحاء ما أضفى عليها من بهجة وبهاء- بحال النبات يغذيه الماء فيخضر وينضر، ثم يورق ويزهر، ثم لا يلبث أن تنطفئ نضرته، وتذبل زهتره، ويتحول النبات النضر البيه إلى هشيم تذروه الرياح كأن لم تكن- ووجه الشبه: مجموع الهيئة الحاصلة من حسن، وبهجة وبهاء، يتلوها تلف، واضمحلال، وفناء -فأنت ترى أن المشبه به لم يل الكاف كما هو الأصل فيها، إذا لا يتأتى فيه ذلك، لأن المعتبر فيه الهيئة الحاصلة من مجموع اكلام المذكور بعد الكاف، دون أن يعبر عنها بمفرد داله عليها- لكن وليها شيء له تعلق بهذه الهيئة، وهو "الماء" إذ هو أحد أجزائها كما هو الشرط.

والأصل في "كأن" الدالة على التشبيه: أن يليها المشبه -عكس الكاف وأخوانها- يقول الله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} فضمير النسوة هو المشبه، وما بعده هو المشبه به، ويقول الشاعر:

وكأن الهلال نون لجين ... رسمت في صحيفة زرقاء

ومثل كأن في هذا الحكم كل ماله معمولان من الأفعال، أو الأسماء المشقة المفيدة لمعنى المماثلة.

وتقول: "مائل، أو يمائل خالدا أسدا، وحاكى، أو يحاكي شوقي


١ كما في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا} الآية فقد دخلت الكاف على المشبه به وهو لفظ "مثل" الدال على المشبه به المذكور.

<<  <  ج: ص:  >  >>