للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كلمة موجزة في تاريخ علوم البلاغة]

لم يصنف العلماء في هذه الفنون الثلاثة -المعاني، والبيان, والبديع- إلا بعد الفراغ من تدوين علوم اللسان: النحو، والصرف، واللغة.

ويمكن القول بأن أول كتاب دون في هذه العلوم كان في علم البيان، وهو كتاب "مجاز القرآن" لأبي عبيدة المتوفى سنة ٢٠٦هـ وضعه على إثر سؤال وجه إليه في مجلس الفضل بن الربيع١ عن معنى قوله تعالى في شجرة الزقوم: {طَلْعُهَا ٢ كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} وكيف شبه الطلع برءوس الشياطين وهي لم تعرف بعد؟ أي: وينبغي التشبيه بشيء معروف حتى يتبين المشبه ويتضح، فأجاب أبو عبيدة بأنه على حد قول الشاعر:

أيقتلني والمشرفي٣ مضاجعي ... ومسنونة زرق٤ كأنياب أغوال؟

يريد: أن المشبه به هنا غير معروف كذلك، وأن الغرض من التشبيه عرض المشبه في صورة مستفظعة مخوفة، والعرب تشبه قبيح الصورة بالشيطان أو الغول, فيقولون: كأنه وجه الشيطان، أو كأنه رأس الغول، وإن لم يروهما لاعتقادهم أنهما شر محض، لا يخالطهما خير، فيرتسم في خيالهم بأقبح صورة.

ثم قام أبو عبيدة من فوره، وتقصى ما ورد في القرآن من الألفاظ التي أريد بها غير معناها الأول في اللغة, وجمعها في هذا الكتاب، وسماه "مجاز القرآن".

وأبو عبيدة هذا هو معمر بن المثنى اللغوي البصري، تلميذ يونس بن حبيب


١ أحد وزراء المأمون.
٢ الطلع هنا يراد به الحمل, وأصله: طلع النخل, سمي به حمل هذه الشجرة.
٣ وصف للسيف منسوب إلى مشارف الشام, وهي قرى كانت تجيد صناعة السيوف.
٤ المراد بها أسنة الرماح.

<<  <  ج: ص:  >  >>