للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مواضع الوصل]

الأول:

أن يكون بين الجملتين كمال انقطاع، مع إيهام الفصل خلاف المواد, ويتحقق هذا في أن تختلف الجملتان خبرًا وإنشاء, ولكن فصل إحداهما عن الأخرى يوهم خلاف المقصود، كقولك عندما تريد أن تنفي شيئًا في حديث تقدم، مع إرادة الدعاء للمخاطب بالسداد مثلا: لا، وسدد الله خطاك. فقولك: "لا" رد لكلام سابق كأن يقال مثلا: هل الأمر كما زعم فلان؟ فتقول: "لا" أي ليس الأمر كما زعم، فهي جملة خبرية، "وسدد الله خطاك" جملة إنشائية دعائية، فبين الجملتين إذا كمال انقطاع، وكان مقتضى ذلك: أن يجب الفصل لاختلافهما خبرًا وإنشاء, لكن يجب الوصل هنا دفعًا لإيهام خلاف المراد إذ لو ترك الوصل, فقيل: "لا سدد الله خطاك" لأوهم الكلام أنه دعاء على المخاطب بعدم السداد, في حين أن المقصود الدعاء له بالسداد, ومثله قولهم: "لا وشفاه الله", جوابًا لمن سأل: هل نقه محمد من مرضه؟ فإن ترك المعطف -والحالة الثانية- يوهم الدعاء عليه بعدم النقاهة، مع أن الغرض الدعاء له بالنقاهة١؛ لهذا يوجب الفصل فيما ذكرنا وأمثاله دفعًا لهذا الإيهام.

الثاني: أن يكون بين الجملتين توسط بين الكمالين، مع عدم وجود مانع من الوصل, ويتحقق هذا في أن تتفق الجملتان خبرًا وإنشاء، وليس في عطف إحداهما على الأخرى ما يوجب فساد المعنى, ولهذا النوع ثماي صور، نذكرها لك فيما يلي:

١- أن تتفق الجملتان في الخبرية لفظًا ومعنى كقول الله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} ، وكقوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} , فالجملتان -في المثالين- خبريتان لفظًا ومعنى.

٢- أن تتفق الجملتان في الإنشائية لفظًا ومعنى كقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} ، وكقوله تعالى: {فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا


١ سأل هارون الرشيد نائبه عن شيء, فقال: لا وأيد الله الأمير. فلما سمع الصاحب ذلك قال: هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ على خدود الملاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>