للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مبحث النهي]

النهي: طلب الكف عن الفعل على جهة الاستعلاء حقيقيًا كان الاستعلاء أو ادعائيًا -كما في الأمر- فالأول كقول السيد لعبده: "لا تفعل كذا", والثاني كقول العبد لسيده: "لا تفعل كذا" متعاظمًا.

ولصيغة النهي صورة واحدة هي الفعل المضارع المقرون "بلا الناهية" كقوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} .

المعنى الحقيقي لصيغة النهي:

هو- على ما ذهب إليه الجمهور- طلب ترك الفعل طلبًا جازمًا وهذا أرجح الأقوال, وقيل: غير ذلك مما لا مجال لذكره.

غير أن صيغة النهي تختلف عن صيغة الأمر: من حيث إن صيغة النهي تدل على الفور والاستمرار جزمًا، لأنه "في الغالب" لدفع مفسدة ما لم تقم قرينة على قصد التراخي أو المرة, فإذا قيل لإنسان يتناول الخمر: "لا تشرب الخمر" لا يعد ممتثلا للنهي حتى يكف في الحال، ويستمر كافًّا عنها, فلو استمر يشرب بعد النهي، ثم كف لم يكن ممتثلا لأنه لم يكف فورًا، وإذا كف على الفور، ثم عاد لم يكن ممتثلا أيضًا لأنه لم يستمر على هذا الكف, وإنما تكون الصيغة للتراخي أو المرة بقرينة, فالأول كقول أستاذ لتلميذه: "لا تخرج من الفصل"، فهو لا يريد طبعًا أن يكف الآن عن الخروج، إذ الخروج لم يحصل بعد حتى يكف عنه، إنما يريد أن يكف عندما يهم به, والثاني كقولك لآخر: "لا تتكلم" فأنت "بالبداهة" لا تريد الكف عن الكلام مدى الدهر، إنما تريده في حالة خاصة، وفي وقت معين.

المعاني المجازية لصيغة النهي:

تخرج صيغة النهي -كما في الأمر- عن معناها الحقيقي إلى معان مجازية تفهم من سياق الكلام؛ منها:

الدعاء: إذا استعملت الصغية في مقام التخضع والاستعطاف نحو قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} .

الالتماس: كقولك لندك: لا تبرح مكانك حتى أعود إليك.

التهديد: كقولك لخادمك الخارج عن طاعتك: "ألا تمتثل أمري", وإنما كان تهديدًا للعلم الضروري بأن السيد لا ينهى خادمه عن امتثال

<<  <  ج: ص:  >  >>