للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: في التشبيه]

[مدخل]

...

[المبحث الثالث: في التشبيه]

هو من فنون البلاغة له شأنه وخطره، فهو يدني القصي، ويذلل العصي، ويكشف الخفي، ويكسب المعاني رفعة وشرفا، ويكسوها توكيدا ومتانة، ويبرزها في معارض الحس والعيان، وهو -إلى ذلك- كثير المباحث متشعب النواحي، وإن أردت أن تتبين ذلك فانظر لما يلي من أقوال الشعراء:

قال:

نعمة كالشمس لما طلعت ... بثت الإشراق في كل بلد

قال:

الشمس من مشرقها قد بدت ... مشرقة ليس لها حاجب١

قال:

كأنها بوتقة٢ أحميت ... يجول فيها ذهب ذائب

قال:

وكأن أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزرق

قال:

دان على أيدي العفاة وشاسع ... عن كل ند في الندى وضريب٣

كالبدر أفرط في العلو وضوءه ... للعصبة السارين جد قريب

قال:

بذل الوعد للأخلاء سمحا ... وأتى بعد ذاك بذل العطاء

فغدا كالخلاف يورق للعـ ... ـين ويأبى الإثمار كل الإباء٤

فإنك لتجد من قوة تأثيره في النفس، ومبلغ أسره في القلب ما لا تستطيع وقعه، ولا تملك دفعه بسبب ما يحرك النفس، ويستثيرها بإخراجها من خفي إلى جلي، ومما لم تألفه إلى ما ألفته، ومما لم تره إلى ما عاينته وشهدته، وهو فوق ذلك يكسب اللفظ حلاوة وطلاوة ويعطيه من الروعة ما يبهر القلب، ويأسر اللب.

وجه تقديمه على المجاز:

اعلم أن اللفظ قد يستعمل في معنى لم يوضع له لعلاقة بين المعنى الموضوع له اللفظ، والمعنى المستعمل فيه، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الموضوع له, ويسمى اللفظ حينئذ "مجازا" إذ قد


١ أي: مانع.
٢ وعاء خاص يذاب فيه الذهب.
٣ العفاة جمع عاف, وهو السائل الطالب للمعروف، والند بكسر النون المشددة: الضريب الشبيه والمثيل.
٤ "الخلاف": شجر الصفصاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>