للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس في الكناية]

[مدخل]

...

المبحث الخامس: في الكناية

تعريفها: هي -في اللغة- أن تتكلم بالشيء وتريد غيره، وهي مصدر كنيت بكذا عن كذا, إذا تركت التصريح به، وبابه رمى يرمي. وورد كنوت بكذا عن كذا من باب دعا يدعو، وقد أنشد الجوهري:

وإني لأكنو عن قدور١ بغيرها ... وأعرب أحيانا بها وأصارح

والأول أفصح بدليل قولهم في المصدر: "كناية" ولم يسمع كناوة.

وهي -في الاصطلاح- لفظ أطلق، وأريد لازم معناه الحقيقي لقرينة لا تمنع من إرادة هذا المعنى، مع المعنى المراد.

قيود التعريف: خرج بقيد "اللفظ" نحو الإشارة، والكتابة من كل ما ليس بلفظ، وخرج بإرادة لازم المعنى الحقيقي اللفظ المراد به المعنى الحقيقي نفسه، وخرج بقوله: لقرينة لا تمنع ... إلخ المجاز, إذ لا بد فيه من قرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي، مع المعنى المجازي، عند من يمنع الجمع بين الحقيقة، والمجاز كالخطيب القزويني كما تقول: "كلمني أسد"؛ فلا يجوز أن يراد منه الحيوان المفترس؛ لأن فيه قرينة تمنع من ذلك، وهي "كلمني", إذ إن الكلام من شأن الإنسان، لا من شأن الأسود.

ومن هنا يعلم أن الكناية واسطة بين الحقيقة والمجاز، فهي ليست بحقيقة؛ لأن اللفظ لم يرد به معناه الحقيقي، بل أريد به لازمه، وليست بمجاز؛ لأن المجاز لا بد له -كما قلنا- من قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي٢.

ولا يرد على الخطيب أنه لا يجيز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه؛ لأن محل عدم الجواز عنده إذا استعمل اللفظ فيهما على أن كلا مقصود لذاته، وما هنا ليس كذلك؛ لأن المقصود بالذات هو المعنى اللازمي لا غير.

مثال الكناية قولك: "محمد طويل النجاد" كناية عن طول قامته. قال الشاعر:


١ بفتح القاف وضم الدال: اسم امرأة.
٢ وقيل: هي من قبيل الحقيقة؛ لأنها لفظ مستعمل في المعنى الحقيقي لينتقل منه إلى المعنى اللازمي، والحقيقة أعم من أن يكون المراد باللفظ فيها المعنى الحقيقي وحده كما في الصريح، أو مع إرادة المعنى الكنائي كما في الكناية.

<<  <  ج: ص:  >  >>