للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: في الحقيقة والمجاز]

[الحقيقة]

...

المبحث الرابع: في الحقيقة والمجاز ١

اعلم أن المقصود الأصلي من علم البيان هو "المجاز" إذ هو الذي يتأتى فيه اختلاف الطرق في وضوح الدلالة على المعنى المراد, أما الحقيقة فلا يتأتى فيها ذلك؛ لأنها إنما وضعت لشيء بعينه لتستعمل فيه. فإن كان السامع عالما بالوضع فلا تفاوت, وإلا فلا يفهم شيئا أصلا لتوقف الفهم على العلم بالوضع, وقد تقدم بيان ذلك واضحا في مبحث الدلالة.

غير أنه لما كانت الحقيقة بمثابة٢ الأصل للمجاز من حيث إن الاستعمال في غير ما وضع اللفظ له فرع الاستعمال فيما وضع له, جرت العادة بالبحث عن الحقيقة أولا، وإليك البيان:

[الحقيقة]

تعريفها: هي في اللغة: وصف على زنة "فعيل", إما بمعنى اسم الفاعل, من حق الشيء إذا ثبت، فهو حقيق أي: ثابت, قال تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} أي: لقد ثبت القول, وإما بمعنى اسم المفعول, من حققت الشيء إذا أثبته فهو حقيق أي: مثبت، ثم نقل هذا اللفظ في الاصطلاح من الوصفية "بمعنييها" وجعلت اسما للكلمة المستعملة فيما وضعت له باعتبار أنها ثابتة في مكانها الأصلي٣ "على الاعتبار الأول"٤ أو مثبتة في مكانها


١ قد يقيدان باللغويين لإخراج الحقيقة والمجاز العقليين, والأكثر عدم التقييد؛ لأنهما عند الإطلاق لا ينصرفان لغير اللغويين بخلاف الحقيقة والمجاز العقليين, فقد اصطلحوا على وجوب تقييدهما بهذا القيد.
٢ إنما قلنا ذلك؛ إشارة إلى أنها ليست أصلا للمجاز حقيقة, وإلا كان لكل مجاز حقيقة وليس كذلك, فإن لفظ "الرحمن" قد استعمل من أول الأمر في "المنعم" مجازا ولم يسبق له استعمال في المعنى الحقيقي, وهو "رقيق القلب" فهو إذًا مجاز لم يتفرع عن حقيقة.
٣ المراد بمكانها الأصلي: المعنى الذي وضعت له أولا.
٤ وهو أنها في الأصل بمعنى فاعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>