للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قرينة المكنية]

هي إثبات لازم المشبه به المحذوف للمشبه المذكور, كإثبات الأظفار للمنية في بيت الهذلي، وكإثبات تهلل النواجذ للمنايا في البيت الثاني، وكإثبات اللسان للحال "في البيت الثالث"، وكإثبات الأفراس والرواحل للصبا "في بيت زهير"، فإثبات مثل هذه الأشياء قرينة على أن في الكلام استعارة بالكناية.

وهذا الإثبات يسمى عندهم "استعارة تخييلية". أما أنه استعارة فلأن اللازم المذكور -وهو الأمر المختص بالمشبه به- استعير للمشبه، واستعمل معه، وأما أنه استعارة تخييلية؛ فلأن ذلك اللازم لما نقل واستعمل مع المشبه خيل للسامع أن المشبه من جنس المشبه به. ومن هنا يتبين لك أمران:

الأول: أن قرينة المكنية استعارة تخييلية دائما -عند القوم والخطيب- إذ هي -عندهم- إثبات لازم المشبه به للمشبه، وأنهما متلازمان، فلا توجد إحداهما بدون الأخرى, أي: لا توجد التخييلية بدون المكنية، والمكنية يجب أن تكون قرينتها تخييلية. أما في الأول؛ فلأن التخييلية لو وجدت مع التصريحية، أو مع مجاز آخر كانت ترشيحا لا تخييلا١, وأما في الثاني؛ فلأن التخييلية -كما عرفت- إثبات ما للمشبه به للمشبه -على المذهبين- وهذا الإثبات عندهما يسمى تخييلا, وقد علمت وجهه.

الثاني: أن طرفي الاستعارة التخييلية مستعملان في معنييهما الحقيقيين؛ فالأظفار والمنية مثلا كلاهما مستعمل في المعنى الموضوع له، والتجوز إنما هو في إثبات الأظفار للمنية؛ إذ إن المنية لا أظفار لها، فهو إثبات الشيء لغير ما هو له كالمجاز العقلي في نحو: أنضر الربيع الشجر, إذا صدر القول عن موحد, فإن كلا من الإنضار والربيع مستعمل في معناه الحقيقي، والتجوز إنما هو في إثبات الإنضار للربيع.

تنبيهان:

الأول: اعلم أن ذلك اللازم المراد إثباته للمشبه يجب أن يكون به كمال وجه الشبه في المشبه به، أو أن يكون به قوامه ووجوده.

فالأول كما في بيت الهذلي, فإن وجه الشبه فيه بين السبع والمنية هو "الاغتيال"، والاغتيال في السبع يحصل بشيء آخر غير الأظفار


١ الفرق بين الترشيح والتخييل أن الترشيح يكون في غير المكني عنها, والتخييل خاص بالمكني عنها. فمثال الترشيح في التشبيه قولهم: أظفار المنية الشبيهة بالسبع أودت بفلان, ومثاله في المجاز المرسل قوله -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه: "أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا" فإن اليد مجاز مرسل عن النعمة؛ لصدورها من اليد، وقوله: "أطولكن" ترشيح لذلك المجاز, إذ هو مأخوذ من الطول -بالفتح- وهو الإنعام وذلك ملائم لليد الحقيقية، فالترشيح إذًا لا يختص بنوع خاص من أنواع المجاز, وليس كذلك التخييل.

<<  <  ج: ص:  >  >>