للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مبحث الإطناب]

الإطناب: هو أن يؤدى المعنى بعبارة زائدة عما يستحق، بحسب متعارف الأوساط، بشرط أن يكون ذلك الزائد لفائدة كقوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} فاللفظ المستحق في متعارف الأوساط أن يقال: "رب إني كبرت" أو شخت لكنه لما كان في مقام بث الشكاية، وطلب استدرار الرحمة ناسب ذلك ذكر ما يستوجب الشفقة والإحسان لهذا كان الزائد لفائدة, فإن لم يكن لفائدة لم يكن الكلام إطنابًا، وكان بمعزل عن أهداف البلاغة, ولا يخلو الحال حينئذ من أمرين:

١- أن يكون الزائد غير متعين.

٢- أن يكون متعينًا.

فإن كان الزائد غير متعين سمي "تطويلا" كقول عدي بن زيد, وهو من شعراء العصر الجاهلي:

وقددت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا١

وهو من قصيدة له يخاطب بها النعمان بن المنذر يذكره فيها أحداث الدهر، وما وقع "لجذيمة الأبرش" و"الزباء" من خطوب جسام، ولهذين قصة طويلة لا محل لذكرها هنا٢, والشاهد في قوله: "ومينا" فإن فيه تطويلا؛ لأن الكذب هو المين، ولا فائدة في الجمع بينهما، ولم يتعين أحدهما للزيادة, ومثله قول الشاعر.

ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد

ففي قوله و"البعد" تطويل؛ لأنه "النأي" بعينه، ولا فائدة في الجمع بينهما، ولم يتعين أحدهما للزيادة.

وإن كان الزائد متعينًا سمي "حشوًا", وهو نوعان: مفسد للمعنى وغير مفسد له، وإليك البيان:


١ "قددت" من القد وهو القطع, و"الأديم" الجلد, و"الراهشان" عرقان في باطن الذراعين إذا فصد المرء منهما مات لساعته، و"المين" الكذب.
٢ تتلخص في أن "جذيمة الأبرش" كان قد قتل أبا "الزباء" وكلاهما صاحب ملك وسلطان فسكتت الزباء على كره ريثما يقوى أمرها، ثم بعثت إليه تستدعيه لتتخذه زوجًا فنصح له بعض حاشيته ألا يأمن لها فلم يستجب لنصحه وركب إليها يدفعه الطمع في ملكها، وحينما وصل إليها غدرت به، فأجلس على نطع وشد عضداه وقطع رأهشاه، فتدفق الدم منهما حتى مات.

<<  <  ج: ص:  >  >>