للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستعارة في الحرف]

مثاله قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} .

اعلم أن لام العلة موضوعة لترتب ما بعدها على ما قبلها, ترتب العلة على المعلول, كما تقول: اشتريت هذا الكتاب لأقرأ فيه؛ فإن القراءة مترتبة على الاشتراء, وعلة باعثة عليه.

إذا علمت هذا, فاعلم أن "اللام" في الآية المذكورة مستعملة في غير ما وضعت له؛ لأن ما بعدها -وإن كان مترتبًا على ما قبلها- ليس علة باعثة عليه؛ ذلك أن آل فرعون لم يلتقطوا موسى -عليه السلام- ليكون لهم عدوًّا وحزنًا, وإنما التقطوه ليكون حبيبًا لهم وسرورًا, لكن لما كانت النتيجة المترتبة على التقاطهم هي العداوة والحزن لا المحبة والسرور, شبه العداوة والحزن المترتبان على الالتقاط في الواقع بالمحبة والسرور اللذين كانا ينبغي أن يترتبا عليه، ثم استعملت اللام فيه تجوزًا.

وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبه العداوة والحزن المترتبان على الالتقاط بالعلة الحقيقية التي هي "المحبة والسرور" بجامع الترتب على الالتقاط في كل, فسرى هذا التشبيه إلى تشبيه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط يترتب العلة الحقيقية عليه بجامع مطلق ترتب شيء على شيء, ثم استعيرت "اللام" الموضوعة لترتب العلة الحقيقية على الالتقاط لترتب غير العلة الحقيقية عليه, على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

ومثله قوله تعالى: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} فلفظ {فِي} موضوع لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين، كما تقول: الماء في الكوز, فإن الماء مظروف في الكوز, والكوز ظرف له, وحينئذ فكلمة {فِي} في الآية مستعملة في غير ما وضعت

<<  <  ج: ص:  >  >>