للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بحث للسكاكي في بعض أنواع الكناية]

رأى السكاكي أن يسمي بعض أنواع الكناية بأسماء تختلف باختلاف الاعتبارات، فهي تتنوع عنده إلى أربعة أنواع: تعريض، وتلويح، ورمز، وإيماء أو إشارة.

فالتعريض -لغة- خلاف التصريح، واصطلاحا: إمالة الكلام إلى عرض١ يدل على المقصود, أي: توجيه الكلام إلى جانب يفهم منه المعنى المراد. فلفظ الحديث السابق من قبيل التعريض إذا قصد منه شخص معين, إذ إن معناه الصريح حصر الإسلام في غير المؤذي، ويلزمه نفي الإسلام عن كل مؤذٍ، وهو المعنى الكنائي, فإذًا قصد به نفي الإسلام عن ذلك الشخص المعين المفهوم من سياق الكلام٢. ومثله قولك لآخر: "لست بخائن, ولا مراءٍ" فهو كناية من قبيل التعريض بخيانة, ومراءاة من تخاطبه لقرينة أنه ممن اتسم بهاتين الرذيلتين.

ومن مزايا التعريض أن تستطيع النيل من خصمك، والتنديد به بما لا يخرج عن دائرة الأدب، ولا يجعل له عليك سبيلا.

ومما تقدم يعلم أن التعريض ليس من قبيل الحقيقة، ولا من المجاز, ولا من الكناية؛ لأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل في معناه الأصلي، والمجاز هو اللفظ المستعمل في لازم معناه فقط، والكناية هي اللفظ المستعمل في اللازم, مع جواز إرادة الأصل. أما التعريض فهو أن يفهم من اللفظ معنى بالسياق أو القرائن، من غير أن يقصد استعمال اللفظ فيه٣.


١ العرض -بضم العين- الجانب والناحية, تقول: عرضت بفلان, إذا قلت قولا لغيره وأنت تعنيه, فقد أشرت بالكلام إلى جانب وأردت به جانبا آخر.
٢ معنى هذا: أن اللفظ قد يستعمل في معنى مكنى عنه ليلوح به إلى معنى آخر بالقرائن, أو السياق كما في الحديث, فإن حصر الإسلام فيمن لا يؤذي يلزمه انتفاء الإسلام عن مطلق مؤذٍ, فإذا استعمل هذا اللفظ في هذا اللازم ولم يرد به شخص معين بالذات كان كناية, وإن كان ثم شخص معين موصوف بالإيذاء وقد قصد إليه بالكناية, كان الكلام تعريضا.
٣ ذكر السكاكي أن التعريض قد يكون مجازا تارة، وكناية أخرى, كما تقول لآخر: آذيتني فستعرف, فإن مدلول هذا التركيب والمقصود منه تهديد المخاطب بسبب إيذائه إياه, وهذا المعنى يلزمه عرفا تهديد من كان مثل المخاطب في الإيذاء والضرر, فإن استعمل هذا التركيب في اللازم فقط وهو تهديد غير المخاطب لقرينة كون المخاطب صديقا مثلا ولعلاقة الاشتراك في الإيذاء ولو فرضا, كان هذا الكلام مجازا, وإن استعمل في اللازم والملزوم معا لقرينة عداوة تنتظم المخاطب وغيره, كان الكلام كناية, وفي هذا الكلام نظر يطول البحث فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>