للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اختلاف مقتضيات الأحوال]

مما تقدم تعلم أن مقتضيات الأحوال تختلف باختلاف تلك الأحوال؛ ذلك أن الحال سبب مقتضٍ، واختلاف الأسباب في الاقتضاء يوجب اختلاف المسببات. فإذا كانت الحال إنكارا من المخاطب مثلا كان المقتضى توكيدا، أو كلاما مؤكدا على القولين السابقين؛ لأن ذلك هو اللائق بحال المنكر. وإن كان الحال خلو ذهن المخاطب عن الحكم كان المقتضى خلوا من التأكيد، أو كلاما خاليا منه؛ لأن ذلك هو المناسب لحال خالي الذهن. وإن كان ذكاء في المخاطب كان المقتضى هو الإيجاز، أو الكلام الموجز ذا العبارات اللطيفة والمعاني الدقيقة. وإن كان الحال وعظا كان المقتضى هو الإطناب، أو الكلام المطنب ذا العبارات الصريحة الواضحة ليبلغ أعماق قلوب المخاطبين, وهكذا: لكل مقام مقال, فالذي يعتبر في مقام يخالف ما يعتبر في مقام آخر, فمقام تعريف المسند إليه مثلا يخالف مقام تنكيره، ومقام تقديمه يغاير مقام تأخيره، ومقام الإيجاز -كما سبق- يباين مقام الإطناب، وهكذا.

وللسوقة كلام لا يصلح لسراة القوم وأمرائهم, وفي مواقف الحروب، أو الوعيد، أو التهديد كلام يغاير ما يقال في مواطن توديع الأحبة، وبث الأشواق، وذكر أيام الفراق، وما قارب ذلك من معاني الاستعطاف والمعاذير. ففي الأول يستعمل اللفظ الضخم، والمعنى الفخم، وفي الثاني يستعمل اللفظ الرقيق الحاشية، اللين المجس، الناعم الملمس، اللطيف الموقع.

ألا ترى إلى قول بشار بن برد:

إذا ما غضبنا غضبة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو أمطرت دما

<<  <  ج: ص:  >  >>