للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حذف المسند إليه]

يحذف المسند إليه لأغراض نذكر منها ما يلي:

١- الاحتراز عن العبث بذكره، "في ظاهر الأمر" لدلالة القرينة عليه، وينبغي أن يصان كلام البليغ عن العبث, مثال ذلك أن تقول: "حضر" تريد "الأمير" فتحذف المسند إليه، وهو "الأمير" قصدًا إلى التحرز عن العبث في ذكره لقيام القرينة الدالة, وإنما كان العبث ظاهريًا لأن الحقيقة أن لا عبث في ذكره، وإن قامت عليه قرائن، لأن المسند إليه -كما قلنا- أعظم ركني الإسناد إذ هو المحكوم عليه، فلا يكتفى فيه بالقرينة، بل ينبغي مع ذلك أن ينص عليه اهتمامًا بأمره.

٢- ضيق المقام عن إطالة الكلام، بسبب سآمة، أو توجع، أو تحزن كقول الشاعر:

قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل

لم يقل: أنا عليل لضيق صدره عن الإطالة بسبب ما يعانيه من تباريح الهوى، ولواعج الشوق.

٣- الحذر من فوات الفرصة: كأن يقول رجل لصائد: "غزال" يريد: هذا غزال، فيحذف المسند إليه, وهو "هذا" مخافة أن تفوت الفرصة، فيفلت الصيد من يد الصائد.

٤- اختبار تنبه السامع عند قيام القرينة على المسند إليه: هل يتنبه له بهذه القرينة الدالة، أو لا يتنبه إلا بالتصريح، مثال ذلك: أن يحضر إليك رجلان تربطك بأحدهما صداقة، فتقول لآخر يعلم بهذه الصلة: "غادر" تريد أن تقول: الصديق غادر، فتحذف المسند إليه، وهو "الصديق" اختبارًا لذكاء السامع: هل يتنبه إلى المسند إليه المحذوف وهو "الصديق" بقرينة ذكر الغدر" إذ لا يتناسب إلا الصديق، أو لا ينتبه.

٥- اختبار مقدار تنبه السامع عند قيام قرينة خفية على المسند إليه، هل يتنبه بالقرائن الخفية أم لا؟ مثال ذلك أن يحضرك شخصان تجمعك بهما صداقة, غير أن أحدهما أقدم من الآخر فيها، فتقول لآخر يعلم هذه الصداقة: "جدير بالاحترام" تريد: أقدمهما صحبة، وهو "محمد" مثلًا، فتحذفه اختبارًا لمبلغ ذكاء السامع هل يتنبه لهذا المحذوف بهذه القرينة الخفية، وهي أن الجدير بالاحترام ذو الصداقة القديمة، دون حادثها، أم لا ينتبه.

٦- إيهام١ صون المسند إليه عن لسانك من أن يتلوث بنجاسة بمروره عليه لكونه عظيمًا خطيرًا, أو إيهام صون لسانك عنه لحقارته وامتهانه, فالأول نحو قولك: "رافع راية التوحيد، هادم دعائم الشرك" تريد النبي صلى الله عليه وسلم، فتحذفه مخافة أن يتلوث من لسانك, والثاني نحو قولك: "مخذول مطرود" تريد إبليس اللعين فتحذفه لئلا يتلوث اللسان بذكره.


١ إنما عبر بالإيهام، لأن التلوث المراد صون الذكر أو اللسان عنه أمر اعتباري محض.

<<  <  ج: ص:  >  >>