للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تقسيم الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]

تنقسم الاستعارة بهذا الاعتبار ستة أقسام، ذلك أن المستعار منه والمستعار له، إما حسيان، وإما عقليان، أو المستعار منه حسي والمستعار عقلي، أو العكس، والجامع في الثلاثة الأخيرة عقلي لا غير؛ لما سبق في مبحث التشبيه من أن وجه الشبه -وهو المسمى هنا بالجامع- لا بد أن يقوم بالطرفين, فإذا كان كلاهما، أو أحدهما عقليا وجب أن يكون الجامع عقليا؛ لأن الحسي لا يقوم بغير حسي كما علمت.

أما القسم الأول -وهو ما إذا كان الطرفان فيه حسيين- فصوره ثلاث؛ لأن الجامع حينئذ إما حسي، أو عقلي، أو مختلف، وهاك أمثلتها على التوالي:

١- استعارة محسوس لمحسوس, والجامع حسي كما في قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} ١، فالمستعار منه ولد البقرة، والمستعار له الحيوان المخلوق من حلى القبط التي سبكتها نار السامري٢ عندما ألقى فيها التربة التي أخذها من موطئ فرس جبريل عليه السلام؛ ولهذا الحادث قصة ليس هنا محلها والطرفان حسيان، كما ترى، والجامع حسي كذلك، وهو الشكل والخوار، فإن ذلك الحيوان كان على شكل ولد البقرة، وله صوت كصوته. ومثله قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} ، فالمستعار منه حركة الماء على الوجه الخاص، والمستعار له الحركة والاختلاط الناشئان عن الحيرة والارتباك، والجامع بينهما ما يشاهد في كل من الحركة الشديدة والاضطراب، والجميع


١ {جَسَدًا} أي: بدنا بلحم ودم وهو بدل من عجل, و {لَهُ خُوَارٌ} أي: له صوت البقر؛ شبه الصورة التي سبكتها نار السامري بابن البقرة بجامع الشكل والصوت في كل, ثم استعير لفظ المشبه به وهو العجل للمشبه الذي هو الصورة المسبوكة من النار.
٢ هو موسى السامري, وكان رجلا حدادا في زمن موسى -عليه السلام- منسوبا لسامرة قبيلة من بني إسرائيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>