للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسي١ -كما ترى- ومثله قولك: "رأيت "قينة" ذات جناحين على شجرة"، فالمستعار منه الجارية المغنية، والمستعار له "البلبل" وهو الطائر المعروف، والجامع الصوت الحسن، والجميع حسي كذلك.

٢- استعارة محسوسة لمحسوس، والجامع عقلي كقوله تعالى {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} فالمستعار منه كشط الجلد, وسلخه عن الشاة ونحوها، والمستعار له إزالة ضوء النهار، وانتزاعه عن مكان الليل، وكلاهما حسي٢، والجامع بينهما عقلي؛ إذ هو ترتب أمر على آخر في كل، ففي المستعار منه ترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وسلخه، وفي المستعار له ترتب ظهور ظلمة الليل على محو ضوء النهار وإزالته؛ ولهذا صح قوله: {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} لأن الواقع عقيب إزالة الضوء هو "الإظلام"، وما قيل من أن المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل فلا يتفق مع القول المذكور؛ لأن الواقع بعد ظهور النهار من ظلمة الليل إنما هو الإبصار لا الإظلام، وقد وفق بعضهم بين القولين بما لا يخلو عن تكلف.

٣- استعارة محسوس لمحسوس, والجامع مختلف؛ بعضه حسي، وبعضه عقلي كقولك: "رأيت بدرا يتحدث" وأنت تريد إنسانا كالبدر في حسن الطلعة، ونباهة الشأن، والأول حسي، والآخر عقلي.


١ شبه تزاحمهم وتدافعهم بتلاطم الموج بجامع ما يشاهد في كل من الاضطراب, ثم استعير لفظ المشبه به وهو تلاطم الموج للمشبه الذي هو التزاحم والتدافع, ثم اشتق منه يموج بمعنى يتزاحم ويتدافع.
٢ أي: باعتبار متعلقهما -الجلد والضوء- وإلا فإن كلا من كشط الجلد وإزالة الضوء أمر عقلي؛ لأنهما معنيان مصدريان, والمعنى المصدري لا وجود له خارجا فلا يكون محسوسا، ويقال في إجرائها: شبه إزالة ضوء النهار عن موضع الظلمة بسلخ الجلد عن لحم الشاة بجامع ترتب أمر على أمر، ثم استعير لفظ المشبه به وهو السلخ للمشبه الذي هو إزالة الضوء, ثم اشتق منه {نَسْلَخُ} بمعنى نزيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>