للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- استعارة معقول لمعقول, كقوله تعالى حكاية عن قول الكفار يوم القيامة: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} فالمستعار منه "الرقاد" أي: النوم على اعتبار أن "المرقد" مصدر ميمي, والمستعار له "الموت"، وكلاهما عقلي إذ هو فقد الإحساس، والجامع بينهما عدم ظهور الأفعال الاختيارية في كل١، وهو عقلي كذلك. ويحتمل أن يكون "المرقد" اسم مكان، فيكون المستعار منه على هذا الاحتمال محل الرقاد، والمستعار له محل الموت أي: القبر، وهما حينئذ حسيان، وبهذا يخرج المثال عما نحن فيه من استعارة معقول لمعقول، إلا أنهم قالوا: إن المنظور إليه في مثل هذا التشبيه إنما هو "الرقاد، والموت" لأن المقصود بالنظر في اسم المكان، وفي سائر المشتقات إنما هو المعنى القائم بالذات، وهو المصدر، واعتبار التشبيه في المقصود الأهم أولى, وإذًا فالمستعار منه "الرقاد"، والمستعار له "الموت" على كلا الاحتمالين٢, ولهذه الاستعارة قرينتان, معنوية ولفظية، فالأولى هي كون هذا الكلام كلام الموتى بعد أن يبعثوا، وليس من شك أن الموتى لا يريدون الرقاد بمعنى النوم, إذ لم يكن حاصلا لهم، والثانية هي قوله بعد: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} لأن


١ قيل: إن الجامع في الاستعارة يجب أن يكون في المستعار منه أقوى منه في المستعار له، والأمر هنا بالعكس فإن عدم ظهور الأفعال الاختيارية في الموتى أقوى منه في النوم لفقدان الروح في الموتى لا في النوم, فالأولى حينئذ أن يكون الجامع "البعث" الذي هو رد الإحساس السابق, والبعث بهذا المعنى أقوى ظهورا واشتهارا في النوم؛ إذ لا شبهة فيه لأحد بخلافه في الموت فقد أنكره قوم.
٢ وإجراء الاستعارة على الاحتمال الأول أن يقال: شبه الموت بالنوم بجامع عدم ظهور الأفعال الاختيارية في كل, ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو "الرقاد" للمشبه الذي هو "الموت" وإجراؤها على الاعتبار الثاني هو ما تقدم في الاحتمال الأول, غير أنه يشتق من الرقاد بعد استعارته للموت مرقد اسم مكان بمعنى القبر, وتكون الاستعارة تبعية على ما سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>