للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف المسند إليه]

اعلم أن المسند إليه ينبغي أن يكون معرفة، لأنه المحكوم عليه فلا بد أن يكون معلومًا ليكون الحكم عليه معتدًا به, ونكتة الإتيان به معرفة قصد إفاده المخاطب أتم فائدة.

ثم إن تعريفه على وجوه مختلفة يكون بالإضمار، وبالعلمية، وبالموصولية، وبالإشارة، وبأل، وبالإضافة, ولا يخلو وجه من هذه الوجوه من أن يتعلق به غرض للبليغ إليك بيانها على هذا الترتيب:

تعريفه بالإضمار:

يؤتى بالمسند إليه ضميرًا إذا كان الحديث في أحد المقامات الثلاثة الآتية مع الاختصار١.

١- مقام التكلم: كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" , وقول بشار بن برد أحد شعراء الدولة العباسية:

أنا المرعث لا أخفى على أحد ... ذرت بي الشمس للقاصي وللداني٢

يصف نفسه بأنه ذائع الصيت، واضح الأمر، يعرفه كل من يراه.

٢- مقام الخطاب: كقول الحماسي:

وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمت بي من كان فيك يلوم

٣- مقام الغيبة: ولا بد في هذا المقام من أن يتقدم مرجع الضمير لفظًا تحقيقًا أو تقديرًا، أو أن يتقدم معنى، أو تدل عليه قرينة حال, فمثال المتقدم لفظًا تحقيقًا قوله تعالى: {وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} , ومثال المتقدم لفظًا تقديرًا قولهم: "نعم فارسًا علي" عند من يجعل المخصوص بالمدح مبتدأ مؤخرًا، والجملة قبله خبرًا عنه مقدمًا، فمرجع الضمير في "نعم" حينئذ هو المخصوص وهو, وإن تأخر عنه في اللفظ, متقدم عليه في التقدير، لأنه مبتدأ، والمبتدأ مرتبته التقديم, ومثال المتقدم قوله تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} فضمير الغائب وهو لفظ "هو" عائد على معنى "الرجوع" المفهوم من قوله "فارجعوا", ومثال ما دلت عليه قرينة حال قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} فمرجع الضمير في ترك هو "الميت" وهو لم يتقدم لفظًا، ولا تقديرًا، ولا معنى، وإنما أرشدت إليه قرينة حال، هي أن الكلام مسوق لبيان الإرث.

تنبيه:

الأصل في الخطاب: أن يوجه إلى مشاهد معين، لأن معنى الخطاب:


١ احترز به عن قول أحد الأمراء: أمير البلاد يأمرك بكذا، فإن الحديث هنا في مقام التكلم ولكن لا اختصار فيه.
٢ الرعثة بضم الراء القرط يعلق بشحمة الأذن، ولقب بشار بالمرعث لرعثة كانت له في صغره، وذرت به الشمس طلعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>