للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له؛ لأن ما بعدها لا يصلح أن يكون ظرفًا لما قبلها على الحقيقة, لكن لما كانت الجذوع متمكنة من المصلوبين تمكن الظرف من المظروف, شبهت الجذوع بالظرف الحقيقي في التمكن, ثم استعير لها لفظ {فِي} تجوزًا في التعبير.

وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبهت الجذوع المستعلى عليها بالظروف الحقيقية بجامع التمكن في كل, فسرى هذا التشبيه إلى تشبيه تلبس الجذوع بالمصلوبين بتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين بجامع مطلق تلبس شيء بشيء, ثم استعيرت {فِي} الموضوعة لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين لتلبس الجذوع المستعلى عليها بالمستعلى, على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

ومثله قولهم: "محمود في نعمة" فلفظ "في" كما علمت موضوع لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين كما في المثال السابق، وحينئذ فلفظ "في" في المثال المذكور مستعمل في غير ما وضع له؛ لأن ما بعده لا يصلح للظرفية الحقيقية "كما ترى" لكن لما كانت النعمة متمكنة من "محمود" تمكن الظرف من المظروف, شبهت النعمة بالظرف الحقيقي واستعمل فيها لفظ "في" تجوزًا.

وتقرير الاستعارة فيه على نحو ما سبق, فتشبه النعمة بالظرف الحقيقي بجامع التمكن في كل، ثم يسري هذا التشبيه إلى تشبيه تلبس النعمة بمحمود بتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين, بجامع مطلق تلبس شيء بشيء, ثم تستعار "في" الموضوعة لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين لتلبس النعمة بمحمود على سبيل الاستعارة التبعية، وهكذا يقال في أمثال ما ذكر.

وسميت الاستعارة في الحروف تبعية؛ لأنها تابعة لتشبيهين سابقين عليها "كما رأيت", وهذا القدر كافٍ في تسميتها "تبعية".

تنبيه:

علمت مما سبق في استعارة الحرف أنه لا بد من تشبيهين يسبقانها, أحدهما في مدخول الحرف، والثاني في معناه. فالتشبيه في آية: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} جرى

<<  <  ج: ص:  >  >>