للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالأنياب، لكنه بالأظفار يكمل ويتم. وكما في قول الشاعر الآخر, فإن وجه الشبه بين الإنسان الضاحك والمنايا هو السرور, وهو إن أمكن أن يظهر في غير تهلل النواجذ لكنه لا يكمل إلا به.

والثاني كما في قول الشاعر الثالث، فإن وجه الشبه بين الإنسان والحال هو الدلالة الواضحة -على ما سبق- وهي لا تتحقق بدون اللسان. وكما في قول زهير, فإن وجه الشبه بين الصبا والجهة الموصلة للمطلوب ما يتطلبه كل من تحمل مشاق الوصول إلى الغرض وهو لا يتحقق بدون الأفراس والرواحل، وإن جاز أن يتم الوجه بدون الأفراس والرواحل فإنه بهما أتم وأكمل.

الثاني: علم مما سبق أن الخطيب يخالف السلف في تعريف المكنية، ويتفق معهم في قرينتها، وأن المكنية والتخييلية عند الخطيب فعلان من أفعال النفس هما: التشبيه، والإثبات, فليسا من المجاز اللغوي؛ لأنه من عوارض الألفاظ -كما قلنا- وأن التخييلية عند الخطيب والقوم من قبيل المجاز العقلي؛ لما فيها من إثبات الشيء لغير ما هو له١ ا. هـ.


١ تنقسم المكنية كالتصريحية إلى أصلية وتبعية، وإلى مرشحة ومجردة ومطلقة. فالأصلية كاستعارة اسم الجنس في نحو قول الشاعر:
وإذا العناية لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن أمان
فالمستعار هنا لفظ "إنسان" المحذوف, وهو اسم جنس. والمكنية التبعية كاستعارة اسم المشتق في قولك: يعجبني إراقة الضارب دم الباغي، وإجراؤها أن يقال: شبه الضرب الأليم بالقتل بجامع الإيذاء الشديد، واستعير القتل للضرب الشديد، واشتق من القتل "قاتل" بمعنى ضارب ضربا شديدا, ثم حذف ودل عليه بلازمه وهو "الإراقة", والقرينة إثبات الإراقة للضارب. والمكنية المرشحة نحو: شم علي رائحة العلم, شبه العلم بالمسك وحذف المشبه به بعد استعارته ودل عليه بلازمه وهو الرائحة، والقرينة إثبات الرائحة للعلم, وقوله: "شم" ترشيح؛ لأنه من ملائمات المسك الذي هو المشبه به. والمكنية المجردة كقول الشاعر: "نقريهمو لهذميات نقد بها" "البيت" شبه اللهذميات بما يقدم للأضياف من طعام، ثم استعير اسم المشبه به للمشبه، ثم حذف ودل عليه بشيء من لوازمه وهو قوله: "نقريهمو" فإن القرى تقديم الطعام وهو من خواص المشبه به, والقرينة إثبات القرى للهذميات, وقوله: "نقد" تجريد للاستعارة؛ لأنه من ملائمات المشبه. والمكنية المطلقة كما في قولهم: نطقت الحال بكذا, استعير الإنسان للحال، ثم حذف لو دل عليه بنطق، والقرينة إثبات النطق لها.
بما يقدم للأضياف من طعام، ثم استعير اسم المشبه به للمشبه، ثم حذف ودل عليه بشيء من لوازمه وهو قوله: "نقريهمو" فإن القرى تقديم الطعام وهو من خواص المشبه به, والقرينة إثبات القرى للهذميات, وقوله: "نقد" تجريد للاستعارة؛ لأنه من ملائمات المشبه. والمكنية المطلقة كما في قولهم: نطقت الحال بكذا, استعير الإنسان للحال، ثم حذف لو دل عليه بنطق، والقرينة إثبات النطق لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>