للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"طويل نجاد السيف" شهم كأنما ... تصول إذا استخدمته بقبيل١

فالمعنى الحقيقي لهذا اللفظ هو أن نجاد محمد طويلة، وليس هذا مرادا, إنما المراد لازم هذا المعنى وهو: أن محمدا طويل القامة, إذ يلزم عادة من طول النجاد أن تكون القامة طويلة. ويصح مع هذا إرادة المعنى الحقيقي أيضا بأن يراد المعنيان جميعا -طول النجاد، وطول القامة- وهذا هو موضع الفرق بينها وبين المجاز -كما عرفت- ومثله قولك: "محمد نظيف اليد" كناية عن نزاهته, فالمعنى الحقيقي هو أن يده نظيفة, ولكنه ليس مرادا بل المراد لازم هذا المعنى، وهو أنه نزيه، لا يفعل ما يلوث شرفه، وتجوز إرادة المعنيين. وكقولهم: "فلانة نئوم الضحا" كناية عن أنها مترفة مخدومة، لها من يكفيها أمرها، ويقوم بشئونها. فالمعنى الحقيقي للفظ: أن المرأة المذكورة تنام إلى الضحا، وليس هذا مرادا وإنما المقصود ما يلزم هذا المعنى, وهو أنها من ذوات الترف والنعمة, لها من يقوم بتدبير أمرها، وإصلاح حالها, وتجوز إرادة المعنيين معها -كما علمت- وهكذا.

تنبيهان:

الأول: ليس بلازم في الكناية أن يكون المعنى الحقيقي للفظ المكنى به متحققا في الواقع, إذ يصح أن تقول: "فلان طويل النجاد" كناية عن طول القامة، وإن لم يكن له نجاد، بل تصح الكناية حتى مع استحالة المعنى الحقيقي كما في قولهم: المجد بين برديه، والكرم


١ النجاد: ما وقع على العاتق من حمائل السيف, وفيه إشعار بأن الممدوح من أرباب السيف والإقدام، والقبيل: الجماعة؛ شبه الممدوح وهو مفرد بالجمع في القوة والمنعة، وفي هذا المعنى يقول حافظ في رثاء مصطفى باشا كامل:
سنشهد في التاريخ أنك لم تكن ... فتى مفردا بل كنت جيشا مغازيا

<<  <  ج: ص:  >  >>