للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحت ردائه كناية عن إثبات المجد والكرم للممدوح, فإن المعنى الحقيقي لكل من العبارتين وهو حلول المجد بين البردين، وحلول الكرم تحت الرداء مستحيل الحصول؛ إذ إن الحلول الحسي بين الأشياء أو تحتها من شأن الأجسام، لا المعاني. وكما في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كناية عن الاستيلاء والسيطرة, فالمعنى الحقيقي للاستواء هو "الجلوس" وهذا المعنى مستحيل على الله سبحانه١, ومن هذا يعلم أن الشرط في الكناية جواز إرادة المعنى الحقيقي، لا إرادته بالفعل؛ لامتناع إرادته فيما ذكرنا. ا. هـ.

الثاني: علمت مما تقدم أن مناط الفرق بين المجاز والحقيقة وجوب وجود القرينة المانعة في الأول, دون الثانية.

وقد فرق "السكاكي" بينهما أيضا بأن الانتقال "في الكناية" من اللازم إلى الملزوم, كالانتقال من طول النجاد إلى طول القامة في المثال المتقدم, فطول القامة ملزوم لطول النجاد، وطول النجاد لازم لطول القامة. أما المجاز, فالانتقال فيه من الملزوم إلى اللازم "عكس الأول" كالانتقال من الغيث إلى النبات في نحو قولك: رعى جوادي الغيث، وكالانتقال من الأسد إلى الجريء في نحو قولك: على الفرس أسد، فإن النبات لازم للغيث عادة، والغيث ملزوم له, كما أن الجريء لازم للأسد، والأسد ملزوم له.

ورد هذا الفرق بأن اللازم إذا لم يكن ملزوما٢ لا ينتقل منه


١ ومثل الآية المذكورة قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} كناية عن نفي المماثلة عن ذاته تعالى؛ إذ إن سلب الشيئية عن مثل مثله يستلزم سلبها عن مثله, وإلا لزم التحكم في نفي الشيئية عن أحد المثلين دون الآخر, ولا يخفى امتناع إرادة المعنى الحقيقي لهذه العبارة؛ لاستحالة ثبوت مماثله تعالى.
١ أي: بنفسه أو بانضمام قرينة إليه؛ فالأول كالناطق بالنسبة للإنسان, فإنه -وإن تبادر منه أنه لازم للإنسان- ملزوم له أيضا؛ لمساواته له إذ يلزم من وجوده وجود الإنسان، والثاني كقولنا: رأيت إنسانا لا يفارق المنارة, كناية عن المؤذن, فإن الإنسان الموصوف بهذا الوصف فيما يتبادر لازم للمؤذن، ويصح أن يكون أعم منه؛ لجواز أن تكون ملازمته للمنارة لا للأذان, لكن قرينة العرف دالة على أنه المؤذن؛ لأن ذلك هو المتبادر الغالب, فهذا اللازم الأعم صار ملزوما بالقرينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>