للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرور السحاب بعينه، وهذا المعنى هو ما ينبغي أن يفهم تصويرا للحالة التي ستكون -وإليك قول الحماسي، يصف قوما بالكرم والشجاعة:

هم البحور عطاء حين تسألم ... وفي اللقاء إذا تلقى بهم يهم١

ولو فرض تقدير الأداة فيما ذكرنا من أمثلة التشبيه المؤكد لكان من قبيل التشبيه المرسل، وإذا فكل مثال تركت فيه الأداة يحتمل أن يكون من قبيل التشبيه المؤكد إذا لم تقدر فيه الأداة- وأن يكون من التشبيه المرسل إن قدرت الأداة، مالم تقم قرينة على المراد.

ومن التشبيه المؤكد: ما أضيف فيه المشبه به إلى المشبه٢ بعد حذف الأداة، وتقديم المشبه به على المشبه ك ما تقول: "فلان يسترشد بسراج رأيك"، وليس فلان رداء العافية"٣- ومنه قول الشاعر: يصف اعتدال الريح وقت الأصيل:

والريح تعبث بالغصون وقد جرى ... ذهب الأصيل على لجين الماء٤

شبه الشاعر الماء بالفضة في بياضها وصفائها، ثم أضاف المشبه به غلى المشبه بعد حذف الأداء، وتناسبها- كما ذكرنا- ومنه كذلك قول الشريف الرضي، يستمطر الرحمة على قبور الموتى:


١ "البهم" بضم الباء واحده بهمة، وهو الشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى لخطورته وقوة بأسه.
٢ والإضافة حينئذ بيانية تقتضي الاتحاد في المفهوم.
٣ شبه الرأي بالسراج في الاهتداء به كما شبه العافية باللباس في الاشتمال، ثم قدم المشبه به وأضيف إلى المشبه.
٤ "تعبث بالغضون" تحركها وتميلها، و"قد جرى" بمعنى ظهر، و"الأصيل" هو الوقت ما بين العصر والغروب، ويعد من أطيب الأوقات، "وذهبه" صفرته بسبب شعاع الشمس وإطلاق الذهب عليه استعارة، و"اللجين الفضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>