اللفظ لم يرد به معناه الحقيقي، بل أريد به لازمه, وليست مجازا؛ لأن المجاز لا بد له -كما قلنا- من قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي -بخلاف الكناية- مثالها قول الشاعر:
طويل نجاد السيف شهم كأنما ... يصول -إذا استخدمته بقبيل١
ففي قوله:"طويل نجاد السيف" كناية عن طول القامة, فالمعنى الحقيقي لهذا اللفظ هو أن نجاده طويلة، وليس هذا مرادا، إنما المراد: لازم هذا المعنى، وهو أنه طويل القامة، إذ يلزم -عادة- من طول النجاد: أن تكون القامة طويلة, ويصح مع هذا إرادة المعنى الحقيقي أيضا: بأن يراد المعنيان جميعا, طول النجاد وطول القمة، وإن كان المقصود بالذات: المعنى الكنائي, ومثله قوله:"فلان نظيف اليد" كناية عن نزاهته فالمعنى الحقيقي للفظ: هو أن يده نقية من الأقذار، ولكنه ليس مردا، بل المقصود لازم هذا المعنى، وهو أنه نزيه، لا يفعل ما يلوث شرفه، وتجوز إرادة المعنيين -كما عرفت- ومثله أيضا قولهم:"فلانة نئوم الضحى" كناية عن أنها مترفة مخدومة، لها من يكفيها أمرها، ويقوم بشئونها، فالمعنى الحقيقي للفظ: أن المرأة كثيرة النوم إلى الضحى. وليس هذا مرادا، إنما المقصود: ما يلزم هذا المعنى، وهو أنها من ذوات الترف والنعمة، عندها من يقوم بتدبير أمرها، وإصلاح شأنها, وتجوز إرادة المعنيين معا....وهكذا.
تنبيه:
ليس بلازم في الكناية: أن يكون المعنى الحقيقي للفظ المكني به متحققا في الواقع، إذ يصح أن تقول:"فلان طويل النجاد" كناية عن طول قامته، وإن لم يكن له نجاد، بل تصح الكناية، حتى مع استحالة المعنى الحقيقي كما في قولهم:
١ "النجاد" ما يقع على العاتق من حمائل السيف، وفيه إشعار بأن الممدوح من أرباب السيف و"القبيل" الجماعة, شبه الممدوح، وهو مفرد بالجمع في القوة والمنعة.