للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن قرينة المكنية استعارة تخييلية دائمًا، وأنهما متلازمان فلا توجد إحداهما بدون الأخرى؛ لأن المكنية لا بد لها من قرينة، وقرينة المكنية لا تكون إلا تخييلية "كما عرفت".

الثاني: أن طرفي الاستعارة التخييلية مستعملان في المعنى الحقيقي لهما "فالأظفار والمنية" كلاهما مستعمل في المعنى الموضوع له, والتجوز إنما هو في إثبات الأظفار للمنية, إذ إن المنية لا أظفار لها، فهو إثبات الشيء لغير ما هو له كما في إثبات الإنبات للربيع في نحو: أنبت الربيع الزرع, إذا صدر من الموحد فإن كلا من الإنبات والربيع مستعمل في حقيقته, والتجوز إنما هو في إثبات الإنبات للربيع١.


١ تنقسم المكنية كالتصريحية إلى أصلية وتبعية, وإلى مرشحة ومجردة ومطلقة. فالأصلية كاستعارة اسم الجنس في نحو قول الشاعر: "وإذا العناية لاحظتك عيونها" فالمستعار هنا لفظ "إنسان" المحذوف وهو اسم جنس. والمكنية التبعية كاستعارة اسم المشتق في قولك: يعجبني إراقة الضارب دم الباغي, وإجراؤها أن يقال: شبه الضرب الشديد بالقتل بجامع الإيذاء الشديد, واستعير القتل للضرب الشديد، واشتق من القتل "قاتل" بمعنى ضارب ضربًا شديدًا, ثم حذف ودل عليه بلازمه وهو "الإراقة" والقرينة إثبات الإراقة للضارب. والمكنية المرشحة نحو: شم علي رائحة العلم, شبه العلم بالمسك وحذف المشبه به ودل عليه بلازمه وهو "الرائحة" والقرينة إثبات الرائحة للعلم، وقوله: "شم" ترشيح للاستعارة؛ لأنه من ملائمات المسك. والمكنية المجردة كقول الشاعر:
نقريهم لهذميات نقد بها ... ما كان خاط عليهم كل زراد
"اللهذميات" جمع: لهذم كجعفر القاطع من الأسنة و"القد": القطع, و"الزراد": ناسج الزرد بفتح الراء, وهو الدرع من الحديد, شبه اللهذميات بما يقدم للضيوف من الطعام، ثم حذف المشبه به ودل عليه بشيء من لوازمه، وهو قوله: "نقريهم" فإن "القرى" تقديم الطعام وهو من ملائمات المشبه به, والقرينة إثبات القرى للهذميات، وقوله: "نقد" تجريد للاستعارة؛ لأنه من ملائمات المشبه. والمكنية المطلقة كما في قولهم: نطقت الحال بكذا، استعير الإنسان للحال ثم حذف ودل عليه "بنطق" والقرينة إثبات النطق لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>