للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقصر التعيين: ما يخاطب به المتردد بين شيئين, مثاله في قصر الصفة على الموصوف قولك: "ما ذكي إلا خالد" خطابًا لمن تردد بين ذكائه وذكاء "بكر" ولا يدري أيهما على التعيين, ومثاله في قصر الموصوف على الصفة قولك: "ما فؤاد إلا ناجح" خطابًا لمن تردد بين نجاحه وإخفاقه, وسمي قصر تعيين لتعيين ما هو غير معين عند المخاطب.

تنبيهان:

الأول: اعلم أن التقسيم إلى القلب، والإفراد، والتعيين خاص بالقصر الإضافي كما يظهر لك من الأمثلة السابقة, وعللوا ذلك: بأن التقسيم المذكور لا يتأتى إجراؤه في القصر الحقيقي حقيقة١.

بيان ذلك: أنك إذا قلت مثلًا في قصر الصفة على الموصول قلبًا: "ما كاتب إلا محمد" تريد قصر الكتابة عليه قصرًا حقيقيًا بمعنى إثبات الكتابة له ونفيها عمن عداه كان مقتضى ذلك: أن المخاطب يعتقد العكس أي يعتقد اتصاف جميع الناس بالكتابة دون "محمد" وهذا بعيد جدًا. إذ لا يتصور من السامع العاقل أن يعتقد اتصاف جميع الناس بصفة من الصفات إلا واحدًا منهم لما هو معلوم بداهة من تعذر استقصاء كافة الناس حتى يحكم عليهم بإثبات أو نفي, كذلك إذا قلت في قصر الموصوف على الصفة قلبًا: "ما محمد إلا كاتب" تريد قصره على صفة الكتابة قصرًا حقيقيًّا حقيقة، بمعنى إثبات الكتابة له، دون غيرها من سائر الصفات, كان مقتضى ذلك أن المخاطب قد اعتقد العكس أي اعتقد ثبوت جميع الصفات "لمحمد" إلا الكتابة، وهذا أيضًا غير متأت لما علم بالبداهة: من تعذر الإحاطة بصفات الشيء، حتى يمكن الحكم بثبوت شيء منها ونفي ما عداه, وهكذا يقال في قصري الإفراد والتعيين. اهـ.

الثاني: علمت مما تقدم: أن قصر الإفراد هو ما يخاطب به من يعتقد الشركة أي اشتراك شيئين أو أشياء في أمر واحد كما مثلنا سابقًا وحينئذ.

يشترط: في قصر الموصوف على الصفة إفرادًا، إلا يتنافى الوصفان ليتأتى اعتقاد المخاطب اشتراكهما في موصوف واحد، فيرد عليه حينئذ بقصر الإفراد أي بأنه متصف بأحد الوصفين دون الآخر، فإذا قلت مثلًا "ما علي إلا شاعر" وجب أن تكون الصفة المراد نفيها: كونه خطيبًا أو كاتبًا، لا كونه مفحمًا، أي لا يقول الشعر إذ الإقحام ينافي الشاعرية فلا يتأتى اعتقاد اجتماعهما في موصوف واحد. ا. هـ.


١ إنما قلنا ذلك لإمكان القصر الحقيقي الادعائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>