للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولاختصاص "هل" بطلب التصديق يمتنع استعمالها في صورة، ويقبح في أخرى, كما تراه فيما يلي:

فيمتنع في مثل قولك: "هل قدم محمد أم علي"، من كل تركيب يذكر في المعادل, ووجه المنع: هو أن ذكر المعادل يفيد بحسب السليقة العربية والذوق البلاغي: أن السائل عالم، ومصدق بأصل الحكم، وهو "القدوم" في هذا المثال، وإنما يسأل فقط عن الفاعل أهو محمد أم علي؟ , و"هل" تفيد: أن السائل جاهل بأصل الحكم لأنها لطلب التصديق به، فيؤدي الجمع بينهما في تركيب واحد إلى التناقض.

ويقبح استعمالها في مثل قولك: "هل عمرا قابلت"، و"هل بناديك نزل"، و"هل راكبًا أتى إليك"، و"هل عندك أقام" ونحو ذلك: من كل تركيب يتقدم فيه المعمول على العامل, ووجه القبح: هو أن تقديم المعمول على العامل -كما في الأمثلة- يفيد "غالبًا": تخصيص العامل بالمعمول كما تقدم في باب القصر, فقولنا: "عمرًا قابلت" مثلًا يفيد اختصاص عمرو بهذه المقابلة دون سواه، وإذا فالقائل: "هل عمرًا قابلت؟ " مصدق بوقوع المقابلة من الفعل، وإنما يسأل فقط عمن اختص بهذه المقابلة دون غيره -أهو عمرو أم غير عمرو- وحينئذ فتقديم المعمول على عامله يقتضي: التصديق بأصل الحكم، و"هل" لطلب التصديق بأصل الحكم فيؤدي ذلك إلى طلب حصول الحاصل، وهذا ضرب من العبث، ينبغي أن يصان عنه كلام البليغ.

وإنما قبح ذلك ولم يمتنع كسابقه، مع أن علة القبح تقتضي المنع، لاحتمال أن يكون تقديم المعمول لغير التخصيص كالاهتمام بالمقدم مثلا، فلا يقتضي تقديمه حينئذ: التصديق بأصل الحكم، فلا يؤدي إلى هذا العبث.

الصفة الثانية شبهها "بالسين وسوف" في تخليصها المضارع للاستقبال وضعًا، بعد أن كان محتملا له وللحال, ولهذا لا يصح أن يستفهم بها عن الفعل الواقع في الحال, فلا يقال: "هل تصدق" في جواب من قال: "أحبك" إذ يريد هل تصدق الآن في قولك؟ فهو يستفهم عن اتصافه بالصدق في الحال ووجه عدم الصحة: أن "هل" للاستقبال "كما ذكرنا" والفعل الواقع بعدها هنا حالي, وهما معنيان متدافعان بخلاف الهمزة فإنه يصح فيها ذلك، لأنها ليست مخصصة للمضارع بالاستقبال، فيصح أن يقال في المثال السابق: "أتصدق؟ " ولا ضمير فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>