للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال رائدهم أرسوا نزاولها ... فحتف كل امرئ يجري بمقدار١

يقول: أقيموا في هذا المكان نقاتل العدو، ولا تحجموا عن قتاله خشية الموت، فلكل إنسان أجل محدود ينتهي إليه، فلا الإقدام يدنيه, ولا الإحجام يقصيه, والشاهد في قوله "أرسوا نزاولها" حيث فصل بين الجملتين لاختلافهما خبرًا وإنشاء كما ترى.

ومثال اختلافهما لفظا ومعنى "والأولى هي الخبر" عكس ما تقدم قولك: "ضل زيد السبيل، اهده يا عمرو".

ومثال اختلافهما معنى "وهما في اللفظ خبران" قولهم: "سافر محمد، بلغه الله مناه" فالثانية -وإن كانت خبرًا في اللفظ- هي في المعنى إنشاء للدعاء، على معنى: اللهم بلغه مناه.

ومثال اختلافهما معنى "وهما في اللفظ إنشاءان" قولك عند ذكر من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم: "ليتبوأ مقعده من النار، لا تصاحبه أيها الصديق". فالأولى -وإن كانت إنشاء في اللفظ- هي في المعنى خبر.

في المعنى خبر على معنى: يتبوأ مقعده. ومثله أن تقول: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ؟ اتق الله أيها العبد", فالأولى خبرية معنى على معنى: الله كاف، وإن كانت في اللفظ إنشاء.

الصورة الثانية: أن تتفق الجملتان خبرًا وإنشاء، ولكن لا تناسب بينهما في المعنى، أو في السياق, فالأولى: نحو أن تقول لآخر: "خرجت من داري، أبدع ما قيل من الشعر كذا", فتفضل الثانية عن الأولى لعدم المناسبة بين الخروج من الدار وإبداع ما قيل من الشعر، مع اتفاقهما في الخبرية لفظًا ومعنى, والثاني: نحو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} , بعد قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} الآية، لم يعطف قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} ... إلخ على قوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ... إلخ, مع ما بينهما من مناسبة في المعنى بالتضاد: من حيث إن الأول مبين لحال المؤمنين، والثاني مبين


١ الرائد في الأصل من يتقدم القوم لطلب الماء أو الكلأ, والمراد هنا الشجاع "المقدام" و"أرسوا" أقيموا و"نزاولها" بالرفع: نحاولها ونعالجها والضمير للحرب و"الحتف" الهلاك و"المقدار" قضاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>