للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التعقيد اللفظي: أن يكون الكلام خفي الدلالة على المعنى لخلل واقع في نظمه وتركيبه, بحيث لا يكون ترتيب الألفاظ على وفق ترتيب المعاني بسبب تقديم، أو تأخير، أو فصل، أو حذف، أو نحو ذلك مما يترتب عليه صعوبة فهم المعنى المراد, وهو على ضربين: شديد، وخفيف.

فالشديد كما في قول الفرزدق١ يمدح إبراهيم بن المخزومي خال هشام بن عبد الملك، أحد خلفاء بني أمية:

وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه

يريد أن يقول: ليس مثل الممدوح في الناس حي يقاربه في الفضائل إلا مملكا٢ أبو أم ذلك الملك أبو الممدوح أي: لا يحاكيه أحد إلا ابن أخته وهو "هشام". ففيه فاصل كبير بين البدل وهو "حي" والمبدل منه وهو "مثله" وفيه تقديم المستثنى وهو "مملكا" على المستثنى منه وهو "حي"٣، وفيه فصل بين المبتدأ والخبر وهما: "أبو أمه أبوه" بأجنبي هو "حي"، وبين الصفة والموصوف وهما: "حي يقاربه" بأجنبي هو "أبوه" فانظر إلى أي حد وصل تعقيد اللفظ حتى عمي المعنى، واستغلق على الفهم٤.


١ هو همام بن غالب بن صعصعة, الشاعر التميمي الأموي المعروف, وقد لقب بهذا اللقب لتقطيع وجهه بالجدري على ما يروى.
٢ أي: رجل أعطي الملك والجاه, يريد هشاما.
٣ إنما عد تقديم المستثنى من موجبات التعقيد في البيت المذكور مع أنه جارٍ على وفق قوانين النحاة؛ لأن التعقيد يزداد به وهو مما يقبل التفاوت شدة وضعفا.
٤ قيل: ويمكن أن يخرج البيت على وجه لا تعقيد فيه, فيجعل "إلا مملكا" مستثنى من الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور الواقع خبر "ما" أو خبر "مثله" على الخلاف في جعل "ما" حجازية أو تميمية، ويجعل "أبو أمه" مبتدأ و"حي" خبرا، ويجعل "أبوه" خبرا بعد خبر، والجملة صفة "لمملكا"، وكذلك جملة "يقاربه" أي: إلا مملكا موصوفا بهذه الصفة، وبأنه يقارب خاله في الفضائل. وعلى هذا القول يكون المراد بالحياة في قوله: "حي" الشبوبية والفتوة، وغاية ما يرد على هذا الوجه أن فيه نصب "مملكا", والمختار رفعه لتأخر المستثنى على المستثنى منه بعد النفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>