للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزئيات المدركة بالملكة فقد استلزم كل منهما الآخر, والمتلازمان بمثابة الشيء الواحد وكأنه لا اشتراك في اللفظ.

ومعنى إيراد المعنى الواحد في الطرق المختلفة في الوضوح: أن يعبر عنه بجملة تراكيب -بعضها أوضح دلالة عليه من بعض- سواء أكانت هذه التراكيب من قبيل التشبيه، أو المجاز، أو الكناية.

فالمعنى الواحد "كالجود" مثلا يمكنك -إذا كنت ملما بمسائل هذا الفن, عالما بأصوله وقواعده- أن تؤديه في طرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.

فتارة: من طريق التشبيه، فتقول: "محمد كالبحر في الإمداد"، و"محمد كالبحر"، و"محمد بحر" فهذه تراكيب ثلاثة دالة على معنى "الجود" بعضها أوضح في الدلالة عليه من بعض, فأوضحها ما صرح فيه بوجه الشبه والأداة وهو الأول، ويليه وضوحا ما صرح فيه بأحدهما وهو الثاني، وأقلها وضوحا ما لم يصرح فيه بأحدهما وهو الأخير.

وتارة من طريق المجاز، فتقول: "رأيت بحرا في منزلنا" تريد محمدا مثلا, فتشبهه بالبحر في الإمداد، ثم تستعير له لفظ "البحر" -كما ستعرفه بعد في الاستعارة التحقيقية- وتقول: "لجة محمد تتلاطم بالأمواج" فاللجة والتلاطم بالأمواج من أوصاف البحر, مما يدل على تشبيه محمد بالبحر. وتقول: "غمر محمد بفضله جميع الأنام" فالغمر من أوصاف البحر, مما يدل أيضا على أن محمدا مشبه بالبحر, والمثالان الأخيران من قبيل الاستعارة المكنية على ما سيأتي. وأوضح هذه الطرق "الأول"، ويليه وضوحا "الثاني"، وأقلها وضوحا "الثالث"١.


١ أما أوضحية الأول فلظهور التجوز فيه بسبب التصريح باسم المشبه به، وأما الثاني والثالث فلخفاء التجوز فيهما لعدم التصريح باسم المشبه به, غير أن الثاني أوضح من الثالث؛ لاشتماله على وصفين للمشبه به واشتمال الثالث على وصف واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>