للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن في التعريف تقييدين؛ تقييد المعنى "بالواحد", وتقييد الاختلاف "بوضوح الدلالة".

أما الأول: فالغرض منه الاحتراز عن المعاني المتعددة، المؤداة بطرق متفاوتة في وضوح الدلالة على معانيها, بأن يكون تركيب في معناه أوضح دلالة من تركيب آخر في معناه؛ كأن تعبر عن معنى "الجود" بقولك: "محمد كالسحاب في الفيض"، ثم تعبر عن معنى "الشجاعة" بقولك: "مر بي أسد فحياني". فمن الواضح أن التركيب الأول معناه أوضح دلالة من الثاني في معناه, ومثل هذا ليس من علم البيان في شيء؛ لأن المعنى في العبارتين مختلف، والشرط أن يكون المعنى فيهما واحدا كما عرفت.

وأما الثاني: فالقصد منه الاحتراز عن الاختلاف في مجرد اللفظ، لا في وضوح الدلالة, كما إذا أوردت معنى واحدا في تركيبين مترادفين، وأنت عالم بمدلولات الألفاظ فيهما؛ كأن تقول مثلا: "نكهة١ فم محمد كالطيب"، ثم تقول: "رائحة ثغر محمد كالند"٢، فمثل هذا ليس من مباحث علم البيان؛ لأن التركيبين متماثلان في وضوح الدلالة على المعنى، والاختلاف إنما هو في اللفظ والعبارة فقط, والشرط أن يكون الاختلاف في وضوح الدلالة على المعنى كما وضح لك ا. هـ.

الثالث: اعلم أن الشرط في المعنى المراد إيراده بالطرق المختلفة أن يكون مدلولا عليه بكلام مطابق لمقتضى الحال، ومعنى هذا: أن علم "البيان" لا بد فيه من اعتبار "علم المعاني"، وأن هذا من ذاك بمثابة المفرد من المركب فإذا قلت لمنكر جود محمد: "محمد كالسحاب في الفيض"، و"محمد غمر الناس بمعروفه"، و"محمد ندي الكف


١ نكهة الفم: رائحته.
٢ الند: نوع من الطيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>