للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو يشبه الهيئة المنتزعة من أقداح الخمر، وهي تتألق في أيديهم، وتتحرك إلى جهات مختلفة أثناء ما انعقد حولهم من دخان العود والند قاتما متكاثفا, بهيئة الكواكب المتهاوية في دياجي الليل.

وهذا القسم ضربان: ما يصح فيه تشبيه كل جزء من أحد طرفيه بما يقابله من أجزاء الطرف الآخر, ما لا يصح فيه ذلك.

فالأول كما في البيتين السابقين, فإن كل جزء من أجزاء المشبه له نظير في الطرف الآخر يمكن تشبيهه به، فيشبه النقع بالليل، وتشبه السيوف أو الأقداح بالكواكب, غير أن غرض الشاعر لم يتعلق بالتشبيه على هذه الصورة، إذ ليس فيه من دقة المعنى، وبديع التخيل، وروعة التمثيل ما له في صورته الأولى من تشبيه الهيئة بالهيئة حتى صار بشار -وهو كفيف البصر- يسمو به إلى درجة يقف دونها العباقرة المبصرون. ومن طريف هذا الضرب قول الشاعر:

كأن سهيلا والنجوم وراءه ... صفوف صلاة قام فيها إمامها١

يشبه الشاعر هيئة سهيل، والنجوم مصطفّة وراءه بهيئة إمام قائم يصلي، والناس خلفه صفوف متراصة. فالمشبه مركب من سهيل, ومن النجوم وراءه، والمشبه به مركب كذلك من إمام قائم في محرابه، ومن صفوف المصلين خلفه، ولكل جزء من أجزاء المشبه به نظير في الطرف الآخر يصح تشبيهه به، فيشبه سهيل بإمام يصلي، والنجوم بصفوف الصلاة, غير أن التشبيه على هذا الوضع ليس الذي يهدف إليه الشاعر لسذاجته, فأين هذا من ذلك الذي يملك عليك قلبك أنه يريك هيئة سهيل يتقدم طائفة متراصة من الكواكب المؤتلقة على هيئة إمام تؤمه صفوف المصلين ألا تراه أدق صياغة, وأحلى إساغة؟


١ سهيل: نجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>