للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوجه الشبه -كما ترى- مجموع الهيئة المركبة من عدة أمور: هي ظهور صورة مشرقة مستديرة بيضاء، في رقعة مبسوطة زرقاء, ولا يصح في "الذوق البلاغي" اعتبار أحد هذه الأمور وجه شبه على استقلاله, كما لا يصح فصل أحدها عن مجموع الهيئة.

وإنما نزل هذا القسم منزلة الواحد؛ لأن الوجه فيه مركب من أشياء تضامت، وتلاصقت حتى صارت كالشيء الواحد لا يقبل التجزئة, وإنما لم يكن واحدا حقيقة لتركبه من جملة أمور، ولا تركب في الواحد.

وقد شرطنا في المنزل منزلة الواحد أن يكون تركيبه اعتباريا ليخرج ما كان مركبا من متعدد تركيبا حقيقيا كالحقيقة الإنسانية المركبة من الحيوانية والناطقية في مثل قولك: "عباس كفؤاد في الإنسانية" فإن هذا الوجه من قبيل الواحد، لا من قبيل المنزل منزلته؛ لأنه مركب من جزأين صارا بهذا التركيب شيئا واحدا في الخارج، قائما بذاته, بخلاف الوجه في نحو ما في بيت "بشار"، فإن الأمور التي تكونت منها تلك الهيئة السابقة لا يلتئم من مجموعها حقيقة واحدة قائمة بذاتها كالحقيقة الإنسانية, وإنما هي أمر اعتباري لاحظه المتكلم من اجتماع أمور انتزعها العقل من الطرفين. ولو أننا اعتبرنا المركب الحقيقي في موضوع المسألة لكان أمثال قولك: "عباس كفؤاد" من قبيل تشبيه المركب بمثله, إذ إن كلا من الطرفين مركب من حيوانية وناطقية, ولا قائل به.

والوجه المتعدد ما كان عدة أمور جعل كل منها وجه شبه على حدة, كما في قولك: هذه الفاكهة كالتي أكلناها أمس في الطعم، واللون، والرائحة، وكما في قولك: محمد كأخيه في الطول، والرشاقة، والوسامة، ومثله في الحلم والكرم، والذكاء. فوجه الشبه في هذه المثل أمور متعددة, كل منها يصلح أن يكون وجه شبه على انفراده, إذ ليس القصد تشبيه الطرفين في الهيئة المركبة من هذه الأمور، بل في كل واحد منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>