لكثرة النظر إليها، وليس من شك أن صورة "القمر" في المثال الأول، وصورة "الشمس" في المثال الثاني مما يشاهد كثيرا.
والبعيد الغريب: ما لا ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به إلا بعد إعمال فكر، وطول تأمل بسبب خفاء وجه الشبه فيهما.
وأسباب خفاء وجه الشبه ثلاثة أيضا:
١- أن يكون في الوجه تفصيل يحتاج إلى كثرة الملاحظات، والاعتبارات كما في تشبيه الهيئات بعضها ببعض, كتشبيه هيئة الخال على الخد بالشقيق في قول الشاعر:
لا تعجبوا من خاله في خده ... كل الشقيق بنقطة سوداء
فوجه الشبه بين الطرفين هو الهيئة الحاصلة من وجود نقطة مستديرة سوداء، في وسط رقعة مبسوطة حمراء وفيه من كثرة التفصيل، والاعتبارات ما لا يقع في نفس مريد التشبيه إلا بعد روية ونظر, وكتشبيه الشمس بهيئة المرآة في يد مرتعشة، أو بهيئة بوتقة محماة، فيها ذهب ذائب، وكتشبيه مثار النقع، يتخلله بريق السيوف المتلاحمة بليل تتهاوى كواكبه، وكتشبيه هيئة إقعاء الكلب بهيئة جلوس البدوي المصطلي, إلى غير ذلك مما لا يقوم بنفس مريد التشبيه إلا بعد أن يتأمل ويتعمل.
٢- أن يندر حضور صورة المشبه به في الذهن عند استحضار صورة المشبه لبعد التناسب بين الصورتين، وعدم التجانس بينهما، كما في تشبيه القمر بالعرجون في قوله تعالى:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ١ الْقَدِيمِ} ، فصورة "العرجون" في ذاتها غير نادرة الحضور في الذهن، ولكنها تندر عند استحضار صورة
١ هو سباطة البلح إذا يبست انحنت, وتقوست أشبه شيء بتقوس الهلال.