للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المواضع. قال عمران بن حطان يخاطب الحجاج بن يوسف الثقفي:

أسد علي وفي الحروب نعامة ... فتحاء تنفر من صفير الصافر١

أي: أنت مجترئ علي، وفي الحروب جبان رعديد؛ فقد استعمل لفظ "أسد" في معنى المجترئ, كما استعمل لفظ "نعامة" في معنى "الجبان", إذ النعامة من أجبن الحيوانات. وقال أبو العلاء المعري في مرثية له:

والطير أغربة عليه بأسرها ... فتح السراة وساكنات لصاف٢

فليس المراد "بالأغربة" الطيور المعروفة إذ لا معنى له، بل المراد: والطير باكية عليه؛ فاستعمل لفظ "أغربة" في معنى "باكية", إذ يزعمون أن الغراب يعلم بالموت، ومن لازم ذلك التحزن والبكاء, فالجار مع مجروره في كل ما ذكرنا إنما تعلق بهذه الألفاظ بعد تأولها بالمشتق -كما رأيت- ولو كانت مستعملة في معناها الحقيقي -كما ذهب إليه الخطيب- ما صح تعلقه بها لامتناع تعلقه بالجوامد؛ لهذا كانت هذه الألفاظ الواردة مستعملة في هذه المعاني المذكورة، لا في المعنى الموضوع له، فهي إذًا من أنواع المجاز بالاستعارة.


١ "الفتحاء" بالحاء المهملة: المسترخية الجناحين عند النزول, والمراد بقوله: "تنفر من صفير الصافر" أنها تنزعج من مجرد الصدى, وبعد هذا البيت:
هلا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك في جناحي طائر
وغزالة: اسم امرأة كان يضرب بها المثل في الشجاعة، وقد حدث أنها هجمت على الكوفة ليلا في ثلاثين فارسا وكان الحجاج بالكوفة على رأس ثلاثين ألف مقاتل فخرج موليا، فصلت المرأة صلاة الصبح فيها وقرأت -على ما قيل- في تلك الصلاة سورة البقرة.
٢ الفتح -بضم الفاء وسكون التاء- جمع فتحاء من الفتح وهو اللين، والسراة بفتح السين: جبال باليمن، ولصاف بفتح اللام: اسم جبل لطيء, وكلاهما مأوى للطير.

<<  <  ج: ص:  >  >>