للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشبه زياد حال قومه إذ يرميهم المخاطب بالنقيصة فلا تضرهم، ولا يظهر لها فيهم أثر لخطورة شأنهم بحال البحر العظيم, لا يتأثر بما يلقى فيه. ووجه الشبه أن كلا الطرفين من العظمة والخطر بحيث لا ينال منهما, وقوله:

"مهما تلق في البحر يغرق" وصف للمشبه به مشعر بهذا الوجه.

ومثال ما ذكر فيه وصف المشبه دون المشبه به قوله عليه الصلاة والسلام: $"أصحابي كالنجوم, بأيهم اقتديتم اهتديتم" فوجه الشبه في الحديث "الهداية" وقد أشعر به قوله: $"بأيهم اقتديتم اهتديتم" وهو وصف خاص بالمشبه.

ومثال ما ذكر فيه وصفهما معًا قول أبي تمام يمدح الحسن بن رجاء:

صدفت عنه ولم تصدف مواهبه ... عني وعاوده ظني فلم يخب

كالغيث إن جئته وافاك ريقه أفضل ... وإن ترحلت عنه لج في الطلب١

وصف الشاعر الممدوح الذي هو "المشبه" بأن عطاياه مغدقة سابغة عليه, أعرض عنه أو أقبل عليه. ثم وصف الغيث الذي هو المشبه به بأنه يصيبك أقبلت عليه أو تجنبته, ووجه الشبه "مطلق الإفاضة في الحالين" والوصفان المذكوران مشعران بهذا الوجه.

وصفوة القول: أن التشبيه المجمل هو ما لم يذكر فيه وجه الشبه على طريقته السابقة, طاهرًا ذلك الوجه أو خفيًّا "كما بينا", وأن وصف أحد الطرفين أو كليهما بما يشعر بالوجه "كما رأيت" لا يتنافى مع الإجمال؛ لأن المدار في كون التشبيه مجملًا على ألا يذكر وجه للشبه ذاته لا وصف مشعر به ا. هـ.


١ صدف من باب ضرب: أعرض، والريق من كل شيء: أفضله؛ ولج في الطلب: ألح فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>