للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصرح بالصفة، وهي "المجد"، ولكن لم يصرح بنسبة المجد إليه، وإنما ذكر مكانها نسبة المجد إلى برديه إثباتا، وهي تستلزم نسبة المجد إليه من حيث وجوده بين برديه الخاصين به، واستحالة قيام المجد بنفسه، ووجوب قيامه بمحل صالح. ومنه قول زياد بن الأعجم:

إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج١

فقد كنى عن إثبات هذه الثلاثة للممدوح بإثباتها لقبة ضربت عليه؛ لأنه إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبت له لما قلنا من استحالة قيام الأمر بنفسه, ووجوب قيامه بمحل صالح له. ومثالها في النفي قول الشنفرى يصف امرأة بالعفة والنزاهة:

يبيت بمنجاة من اللوم بيتها ... إذا ما بيوت بالملامة حلت

فقد صرح بالموصوف، وهو الضمير في "بيتها" العائد على المرأة، وصرح بالصفة، وهي اللوم المنفي في قوله: "بمنجاة من اللوم" ولم يصرح بنسبة اللوم عنها، ولكن ذكر مكانها نسبة أخرى هي نفي اللوم عن بيت يحتويها، وهذا اللوم يستلزم نفي اللوم عنها٢.


١ هو عبد الله بن الحشرج كان أميرا على نيسابور, يدل على ذلك قوله: "في قبة" إذ يفهم منه أن الممدوح ممن تضرب له القباب, وذلك عنوان السيادة والإمارة.
٢ قيل: قد يطلب بالكناية صفة، ونسبة معا كقولك: كثر الرماد في ساحة محمد, كناية عن صفة المضيافية وإثباتها لمحمد, وقد يطلب بها الصفة والنسبة والموصوف جميعا كما في قولك: كثر الرماد في ساحة حي مستوي القامة عريض الأظفار. ويحاب بأن ما ذكر ليس كناية واحدة, بل هو في المثال الأول كنايتان؛ إحداهما مطلوب بها صفة وهي كثرة الرماد كناية عن المضيافية، والثانية مطلوب بها نسبة المضيافية إلى محمد بواسطة نسبتها إلى ساحته, وفي المثال الثاني ثلاث كنايات، مطلوب بها صفة في كثرة الرماد، ومطلوب بها نسبة في إثباتها للساحة، ومطلوب بها موصوف في حي مستوي القامة عريض الأظفار.

<<  <  ج: ص:  >  >>