للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يكون الحامل في الأخبار بواعث أخرى نذكر منها ما يلي:

١- إظهار التحسر والتحزن كما في قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} فغير معقول أن تريد أم مريم الإعلام بمضمون هذا الخبر، أو بلازمه لأن المخاطب هو المولى سبحانه، وهو العالم بخفايا الأمور، وإنما تريد أن تظهر تحزنها وتحسرها على خيبة رجائها، وفوات ما كانت تأمل، وهو أن تلد ذكرا لتهبه لخدمة بيت المقدس, ومن هذا يعلم أن استفادة معنى التحسر من الآية إنما جاء من طريق الإشارة والتلويح، وليس اللفظ مستعملا فيه كما فهم بعضهم١، والإلزام أن تكون الآية إنشاء في المعنى، فلا تصلح شاهدا لما نحن بصدده من التمثيل بها لما هو خبر لم يرد به إفادة المخاطب الحكم، ولا لازمه.

٢- إظهار الضعف كما في قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} فزكريا عليه السلام لا يريد بهذا القول أن يخبر الله بحاله إذ يعلم أن الله لا يخفى عليه شيء، ولكنه قصد إظهار ضعفه، وأنه بلغ من الوهن والكبر غاية لا أمل له بعدها في الحياة.

٣- التوبيخ كما في قولك لمسلم تارك الصلاة: "الصلاة ركن من أركان الإسلام" فغير معقول أنك تريد إفادته مضمون هذا الخبر، أو إفادته أنك عالم به، فإن ذلك مما لا يخفى على أحد من المسلمين، فلا بد إذًا أن يكون الحامل على هذا الإخبار غرضا آخر هو توبيخه على تركه الصلاة، مع قيام الدلائل القاطعة على فرضيتها, إلى غير ذلك من الأخبار المستعملة في معانيها، ولم يقصد بها الإفادة كما هو الأصل فيها.


١ فهم هذا القائل أن الكلام مستعمل في معنى التحسر والتحزن مجازا مرسلا من استعمال المركب في غير ما وضع له لعلاقة اللزوم, إذ يلزم من الإخبار بوقوع ضد ما يرجى إظهار التحسر والتحزن على فواته, وقد عرفت الرد عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>