للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنى" بتاء الخطاب لمخاطب يعلم أنك تعرف أنه اعتدى على ابنك بالضرب، لكنه يناجي غيره بضربه إياه. فالمخاطب إذًا يعلم بلازم الحكم، فالإخبار حينئذ خروج بالكلام عن مقتضى الظاهر إذ مقتضاه ألا يخبر بما هو عالم به, لكن نزل علمه هذا منزلة الجهل لعدم جريه على مقتضى علمه إذ لو كان عالما حقا بأنك تعلم ما صنعه في ابنك ما ناجى غيره بما فعله, فهو لما أسر إلى غيره بضرب ابنك صار كأنه يخفي عنك ذلك، وكأنه يجهل أنك عالم بما كان منه١.

ونظير ما ذكرنا في تنزيل العالم بالشيء منزلة الجاهل به قوله تعالى يخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: {وَلَقَدْ ٢ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} بيان ذلك أن عجز الآية في بادئ الرأي يتنافى مع صدرها ذلك: أن معنى الآية: والله لقد علم اليهود أن من آثر كتاب السحر على كتاب الله ما له في ثواب الله من نصيب، ووالله لبئس ما باعوا به سعادتهم وحظوظهم لو كانوا يعلمون سوء مغبة ما فعلوا، فأنت ترى أن العلم الواقع بعد "لو"


١ إنما جاز تنزيل العالم منزلة الجاهل عند عدم القيام بموجب العلم تنديدا به، وتقبيحا لحاله لأنه إذا كان عالما بالشيء ولم يعمل بموجب علمه، ثم أخبر به كان في إلقاء الخبر إليه إشارة إلى أنه هو والجاهل سواء وفي هذا من التوبيخ ما لا يخفى.
٢ اللام موطئة للقسم، والضمير في {عَلِمُوا} لليهود واللام في {لَمَنِ اشْتَرَاهُ} ابتدائية، وضمير {اشْتَرَاهُ} عائد على كتاب السحر والشعوذة، والمراد بالاشتراء: الاختيار والاستبدال، و {مَنِ} مبتدأ، وجملة {اشْتَرَاهُ} صلة، وقوله: {مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} جملة مركبة من مبتدأ وخبر في محل رفع خبر {مَنِ} ، وجملة "من اشتراه إلخ" سادة مسد مفعولي "علم" لتعليقه بلام الابتداء، وجملة "ولبئس إلخ" معطوفة أما على جملتي القسم والجواب فيقدر فيها قسم, وتكون اللام في لبئس موطئة له، وأما معطوفة على جملة الجواب وحدها فلا يقدر فيها قسم وتكون اللام في لبئس موطئة للقسم الأول كاللام الأولى و"لو" شرطية ومفعول "يعلمون" محذوف أي: لو كانوا يعلمون مذمومية الشراء، أو ينزل الفعل منزلة اللازم أي: لو كانوا من أهل العلم وجواب "لو" محذوف تقديره "لامتنعوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>