للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس الفاعل الحقيقي للسرور، والإقدام، والزيادة هو ما ذكر من الرؤية، والحق، والوجه، وإنما الفاعل الحقيقي لهذه الأمور هو الله تعالى, وأصل الكلام: سرني الله عند رؤيتك، وأقدمني الله بلدك لأجل حق لي عليك، ويزيدك الله حسنا في وجهه, لكن لما كثر في استعمالهم إسناد هذه الأفعال إلى الفاعل المجازي، وإهمال إسنادها إلى الفاعل الحقيقي خفي حينئذ الفاعل الحقيقي، بحيث لا يخطر بالبال، ولا يدرك إلا مع شيء من النظر.

وقال الإمام عبد القاهر: ليس بواجب في المجاز العقلي أن يكون للمسند فاعل حقيقي أسند إليه أو لا إسنادا معتدا به في العرف والاستعمال قبل إسناده إلى الفاعل المجازي، بل:

تارة: يكون له مسند إليه حقيقي أسند إليه أولا إسنادا معتدا به عرفا واستعمالا، ثم نقل إلى المسند إليه المجازي كما في قولهم: شفى الطبيب المريض فإن المسند هنا فاعلا حقيقيا هو "الله تعالى"، وقد أسند إلي الفعل إسنادا جرى به العرف والاستعمال قبل إسناده إلى الفاعل المجازي الذي هو الطبيب, فقيل: "شفى الله المريض بسبب الطبيب". ومنه قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} فإن للمسند فاعلا حقيقيا هو "التجار" وقد أسند إليه الفعل أولا إسنادا جرى به عرف أهل اللغة، فقالوا: فما ربح التجار في تجارتهم، ثم نقل وأسند إلى الفاعل المجازي وهو "التجارة".

وتارة: لا يكون للمسند فاعل حقيقي جرى العرف والاستعمال بإسناده إليه، فيسند من أول الأمر إلى الفاعل المجازي كقولهم: سرتني رؤيتك، ويزيدك وجهه حسنا، وأقدمني بلدك حق لي عليك، فليس لهذه الأفعال فاعل حقيقي جرى الاستعمال العربي بإسنادها إليه إذ هي أمور اعتبارية لا وجود لها في الخارج، فلا يكون لها فاعل حقيقي، بل فاعلها متوهم مفروض، ولا يعتبر الإسناد إليه؛ لأنه بمنزلة العدم، ولم يجر الاستعمال أن يقال: سرني الله عند رؤيتك، ويزيدك الله حسنا في وجهه،

<<  <  ج: ص:  >  >>