للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: وإذا جاز أن يفوق الشيء أصله لميزة فيه, فليس ببعيد أن يفوق الممدوح جنسه لما فيه من جليل الصفات. ومن هذا البيان يتبين أمران:

أحدهما: أن قوله: "فإن المسك ... إلخ" لم يؤت به جوابًا للشرط في المصراع الأول, وإنما سيق مساق الدليل على هذا الجواب, وكأنه يقول: فإن تفق الأنام وأنت منهم فلا بدع ولا غرابة؛ لأن لك نظيرًا هو "المسك" فقد حذف الجواب, وهو قوله: "فلا بدع ولا غرابة" واستغنى عنه بهذا الدليل.

ثانيهما: أن التشبيه في "البيت" ليس صريحًا، بل دل عليه الكلام ضمنًا، ذلك أن المعنى لهذا الكلام هو أنه لا بدع ولا عجب أن يخرج الممدوح عن بني جنسه لمعنى فيه ليس فيهم؛ لأن المسك بعض دم الغزال, وهو "مع ذلك" لا يعد من الدماء لما اختص به من معنى كريم ليس فيها. ومفهوم هذا أن حال الممدوح شببهة بحال المسك وبهذا التشبيه الضمني تبين أن المشبه أمر ممكن الوجود.

ولتحقيق هذا الغرض ينبغي أن يكون المشبه به أعرف وأشهر بوجه الشبه من المشبه كالذي قبله.

وليس بلازم هنا أن يكون المشبه به أتم من المشبه في وجه الشبه؛ لأن المطلوب فيه إثبات نظير المشبه ليفيد عدم استحالته. وهذا يكفي فيه مجرد وجود وجه الشبه به خارجًا, ولا يتوقف الغرض على أن يكون الوجه فيه أتم منه في المشبه. فإذا قلت لإنسان: إنك في خروجك عن جنسك كالمسك تم الغرض بمجرد العلم بخروج المسك عن جنسه وإن لم يكن المسك أتم منه في هذا الخروج, وإن كان الواقع أن المسك أتم خروجًا عن جنسه من الممدوح.

الرابع: تقرير حال المشبه، وتمكينها في نفس السامع بإبرازها في صورة هي فيها أوضح وأقوى, وذلك فيما إذا كان المشبه به مما يدرك بالحس, إذ التمثيل

<<  <  ج: ص:  >  >>