للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأغراض التي تعود على المشبه, وهي اثنان:

الأول: إيهام المتكلم المخاطب أن المشبه أتم وأقوى في وجه الشبه من المشبه به، وذلك كما في التشبيه المقلوب أو المعكوس، وهو أن يجعل فيه الناقص مشبهًا به قصدًا إلى ادعاء أنه أكمل من المشبه به الأصلي مبالغة, كقول محمد بن وهيب يمدح المأمون الخليفة العباسي:

وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح١

يريد الشاعر أن يشبه وجه الخليفة بغرة الصباح في الضياء والإشراق, جاعلًا وجه الخليفة مشبهًا به، وغرة الصباح مشبهًا, قاصدًا إيهام أن وجه الخليفة أتم وأكمل في الإشراق من غرة الصبح مبالغة.

وإنما قيد الشاعر إشراق وجه الخليفة بوقت الامتداح؛ ليدل على أمرين:

أحدهما: اتصاف الممدوح بحسن قبوله للمدح الدال على تقديره للمادح وتعظيمه له, ولو كان غير قابل للمدح لعبس في وجهه، وتجهم له.

ثانيهما: اتصافه بالكرم, إذ الكريم هو الذي يتهلل وجهه، وتنبسط أساريره للمدح, ولو كان لئيمًا ضنينًا لقطب جبينه وأشاح بوجهه. ونظيره قول البحتري يصف بركة المتوكل:

كأنها حين لجت في تدفقها ... يد الخليفة لما سال واديها

فقد أراد البحتري أن يوهم أن يد الخليفة أقوى تدفقًا بالعطاء من البركة بالماء, فعكس التشبيه كما ترى.

الثاني: بيان اهتمام المتكلم بالمشبه به، كأن يشبه الجائع وجه حبيبته بالرغيف في الاستدارة, والاستلذاذ به؛ ليدل بهذا التشبيه على اهتمامه بالرغيف، وأنه لشدة سغبه لا يغيب عن خاطره ويسمى هذا التشبيه "إظهار المطلوب" ولا بد في مثل هذا من قرينة تدل قصد المتكلم, والقرينة هنا عدوله عن تشبيه الوجه بما يناسبه إلى التشبيه بغير المناسب, كما في المثال المذكور.


١ المراد بالغرة هنا الصباح, فالإضافة بيانية, وأصل الغرة بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم, وقد استعير للإشراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>