للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبه الشاعر هيئة بنانها، مع ما عليها من نقش منسق أخضر: بهيئة سمك مصنوع من البلور: داخل شبك مصنوع من زبرجد -فليس من شك أن صورة المشبه به المذكورة شيء خيالي، لا يدرك بالحس الظار لعدم تحققه خارج الأعيان، وإنما المدرك مادته، وهي السم، والبلور، والشبك، والزبرجد، ومن هنا كانت حسية -ومنه قول الشاعر يصف الخمر في الكاس:

كأن الحباب المستدير برأسها ... كواكب در حشوهن عقيق١

شبه هيئة الفقاقيع الطافية على وجه الكأس: بهيئة كواكب من در، منثورة في سماء من عقيق -فالمشبه به خيالي-: لا يدرك بالحس لعدم وجوده خارج الأعيان، وقد فرض مجتمعا من أمور، كل منها مدرك بالحس، وهو: الكواكبن والدر، والعقيق.

فالمراد بالحسي حينئذ: ما يدرك بذاته، أو بمادته بإحدى الحواس الظاهرة ليشمل الخيالي الوارد في البيتين السابقين ونحوهما.

ومن العقلي: مالا يدرك هو ولا مادته بإحدى الحواس الظاهرة لعدم وجوده خارجا. ولكنه بحيث وجد لم يدرك إلا بها، ويسمى "وهميا"٢ وهو ما اخترعه الوهم من عند نفسه، من غير أن يكون له، ولا لمادته وجود في الخارج، كما تراه في قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال٣


١ "الحباب" هو تلك الفقاقيع التي تطفو عادة على سطح الماء، والعقيق نوع من الأحجار الكريمة.
٢ قيد الوهمي بهذا القيد لتيميز عن العقلي الصرف كالعلم والحياة، وهذا لا ينافي أن الوهمي من أفراد العقلي بالمعنى المذكور هنا.
٣ الاستفهام هنا للإنكار، "والمشرقي" السيف المنسوب إلى مشارف اليمن، "ومضاجعي" ملازمي حال الاضطجاع وهو كناية عن أن السيف لا يفارقه وأن الاعتداء عليه بعيد المنال، "ومسنونة" حادة مصقولة، وصفت بالزرقة لفرط صفائها.

<<  <  ج: ص:  >  >>