متخيل في أحد الطرفين قولك: له سيرة كنفح الطيب"، و"أخلاق كأريج المسك" فقد شاع وصف كل من السيرة والأخلاق بالطيب مبالغة، حتى تخيل أنهما من ذوات الرائحة الطيبة -فوجه الشبه، وهو "الرائحة الطيبة" متخيل في المشبه في المثالين- من هذا القبيل قول القاضي التنوخي:
رب ليل قطعته بصدود ... وفراق ماكان فيه وداع
موحس كالثقيل تقذى به العين ... وتأبى حديثه الأسماع
وكأن النجوم بين دجاه ... سنن لاح بينهن ابتداع١
والشاهد في البيت الأخير. فإن وجه الشبه فيه بين النجوم والسنن هو: الهيئة الحاصلة من اجتماع أشياء بيض مشرقة، في جوانب شيء مظلم، وهذه الهيئة غير موجودة في المشبه به على وجه التحقيق- ضرورة أن "الإشراق" لكونه حسيا- لا تتصف به السنة لكونها أمرا عقليا- وأن الإظلام لكونه حسيا أيضا لا تتصف به البدعة لأنها أمر عقلي كذلك- فوجه الشبه إذن غير متحقق في المشبه به إلا على طريق التخيل والتوهم، بافتراض غير الحاصل حاصلا.
ومثل قول التنوخي قول الشاعر السابق:
وأرض كأخلاق الكريم قطعتها ... وقد كحل الليل السماك فأبصرا
١ "الدجى" جمع دجية وهي القطعة من الليل، والضمير في "دجاه" الليل وروى: "بين دجاها" فيكون الضمير للنجوم، وإضافة لأدنى ملابسة، "والابتداع" البدعة، وهي الأمر الذي ادعى أنه مأمور شرعا، وهو ليس كذلك- غير أن في عبارة الشاعر قلبا لأنه جعل -في جانب المشبه- النجوم بين الدجى، فكان من الواجب أن يجعل -في جانب المشبه به- السنن بين الابتداع لتصح المقابلة، ولعل النكتة في هذا القلب: الإشارة إلى كثرة السنن في زمانه وأن البدع بالقياس إليها كانت قليلة.