فإن من أعظم ما اشتغل به البشر من القضايا الاجتماعية في القديم الماضي، وفي الحديث الحاضر، وما سيشغلهم في المستقبل القادم -على ما أعتقد- قضية المرأة، وقد تخبط البشر في معالجتها؛ لأنهم كانوا بمعزل عن شرع الله القويم، فجاءت أحكامهم مشوبة بالظلم، مغلفة بهوى النفس، وكانت المرأة الضحية في تلك الاجتهادات البشرية … وتوالت العصور، وعُرِضت «قضية المرأة» ولا تزال تعرض على مأدبة شعارها «الحرية»، وذروة سنامها «المساواة» وكأن الداعين لهذه الشعارات أُناسٌ مردوا على حب الفاحشة، والسطو على الأعراض، وهتك الحرمات، وتضخيم الأرصدة … وقد نجحوا في حملتهم الماكرة حتى آل الأمر في دول الغرب إلى تفكك الأسر، وتقوضت دعائم الفضيلة، وراج سوق الرذيلة، وكثر اللقطاء، وأمراض لم تعرف فيمن سبق، وأنذر الناصحون منهم بني جلدتهم من غب فعلتهم؛ ولكن هيهات بعد أن غرق القوم في مستنقع الرذيلة.
وأمّا في بلاد المسلمين -حماها الله- فإن الأمر لم يصل إلى ما وصل إليه في بلاد الغرب، إلا أن بداية الشرر تطايرت إلى بعض أجزائه، بل وأحرقت الأجزاء الأخرى، وكانت هذه المجالات تثار في وقت مضى، واحدة تلو الأخرى بعد زمن، ويقضي عليها العلماء في مهدها، ويصيحون بأهلها من أقطار الأرض، ويرمون في آثارهم بالشهب، وفي أيامنا هذه كفأ الجُنَاة المِكْتل مملوءًا بهذه الرذائل بكل قوة وجرأة واندفاع، ومن خبيث مكرهم تحين الإلقاء بما في أحوال العسر والمكره، وزحمة الأحداث.
وهذه الدعوات الوافدة المستوفدة قد جمعت أنواع التناقضات ذاتًا، وموضوعًا، وشكلًا.