إن البيعة لولي الأمر من أبرز جوانب العمل السياسي الذي تمارسه الأمة، إذ أنها في الرؤية الإسلامية هي التي تضفي الشرعية على نظام الحكم، وقد سبقت إنشاء الدولة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهي ميثاق تأسيس المجتمع السياسي الإسلامي، وأداة إعلانه التزامه بالمنهج والشريعة والشورى، وهي صيغة تمكين الأمة لا خضوعها، فالبيعة هي الوجه الآخر للشورى، بل هي إحدى صورها، وهي ليست ممارسة قهرية بل اختيارية حرة؛ لأن البيعة، وإدارة تولي السلطة، ووجود إدارة سياسية في المجتمع الإسلامي تنظّم شؤونه، وتدير مصالحه هو شرط التمدن الإسلامي، وتجنب الوقوع في الفوضى التي قد تُضيع مقاصد الشرع، وبالتالي تعود الجاهلية، وإجراءات البيعة تنقسم إلى مستويين متتابعين متلازمين:
١ - بيعة الانعقاد: وبموجبها ينعقد للشخص المبايع السلطان، ويكون له بها الولاية الكبرى دون غيره، حسمًا للخلاف حول من يتولى أمر المسلمين، وهذه البيعة هي التي يقوم بها أهل الحل والعقد، ودلائل هذه البيعة واضحة تمامًا في انعقاد البيعة للخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم أجمعين- فقد كان أهل الاختيار يقومون باختيار الإمام، ثم يبايعونه بيعة انعقاد أولية.
٢ - البيعة العامة أو بيعة الطاعة: وهي بيعة شعبية عامة للكافة من الأمة، أي: بيعة سائر المسلمين للخليفة، وهذا ما تم بالنسبة للخلفاء الراشدين جميعًا، فأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بعد أن بايعه أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة، دُعي المسلمون للبيعة العامة في المسجد، فصعد المنبر بعد أن أخبرهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- باختيارهم له، ومبايعتهم إيّاه، وأمرهم بمبايعته فبايعه