للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العطرة التي رسمت فيها نصرة الدعوة، وثبت الله بها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول الحافظ في الإصابة (١): « … وقد ذكره ابن إسحاق فقال: وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدقت بما جاء به، فخفف الله بذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان لا يسمع شيئًا يكرهه من الرد عليه فيرجع إليها إلا تثبته وتهون عليه أمر الناس.

ولما أتاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترجف بوادره، وقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. قال لخديجة: أي خديجة ما لي! لقد خشيت على نفسي، فأخبرها بنزول الوحي عليه. قالت له: كلا. أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدًا، فو الله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر، ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل وأخبرته الخبر، فأخبرهما أن الناموس الذي أنزل على موسى أنزل على محمد، وتمنى أن يكون فيها جذعًا إذ يخرجه قومه. فسأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإنْ يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا (٢).

فتأمل رحابة صدرها، ونافذ فكرها، وحدة فهمها في اختيار العبارات المطمئنة لزوجها، وتصديرها بقولها: «كلا. أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدًا» ثم عللت له ذلك بذكر خصاله الحميدة، وليزداد يقين ذاك الزوج الكريم، ويهدأ روعه أخذته لابن عم لها عنده علم من الكتاب، فأخبره بما يواجهه، وكان ذلك كله من رحمة الله برسوله -صلى الله عليه وسلم-.


(١) (٧/ ٦٠٠) ١١٠٨٦.
(٢) أخرج القصة البخاري في كتاب الوحي، باب: بدر الوحي (١/ ٤) ٣، ومسلم في كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (١/ ١٣٩) ١٥٩.

<<  <   >  >>