لقد أرسل الرب جل وعلا رسوله وأهل الأرض أحوج إلى رسالته من حاجتهم إلى غيث السماء، ومن نور الشمس الذي يذهب عنهم حنادس الظلمات، فحاجتهم إلى رسالته فوق جميع الحاجات، وضرورتهم إليها مقدمة على جميع الضرورات؛ فإنه لا حياة للقلوب، ولا نعيم ولا لذة ولا سرور ولا أمان ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها في ما يقربها إليه، ويدنيها من مرضاته، ومن المحال أن تستقل العقول البشرية بمعرفة ذلك، وإدراكه على التفصيل، فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين، وإليه داعين، ولمن أجابهم مبشرين، ولمن خالفهم منذرين، وأجابوا عن كثير من التساؤلات، وأزال الله على أيديهم التناقضات والشبهات، ومع ذلك ما يزال بيننا من يثير الشبه، ويضرب أدلة الشرع بعضها مع بعض، ويعجب زاعمًا من التناقض، وما دري شقي قومه أن نفسه أتعب، لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى؛ فإنّ ما جاء من عند الله لا يدخله التناقض البتة، وإنما التناقض من قصور فهم الإنسان، وعدم نضوج فكره، ونقص أدوات الاستنباط لديه، كخائض غمار المعركة بلا سلاح، أو قاطع البحر بلا سفينة، وسأورد في هذا الفصل شُبَهًا تثار حول النصوص الشرعية، وأستعين بالله في تقويض دعائمها،