للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - خوفًا عليهن من السبي والعار، فقتلهن حمية وغيرة، ويقال إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي، حين أغار عليه النعمان بن المنذر بعد أن منعته تميم الإتاوة فحاربهم، وسبي نساءهم، وأسر بنته فاتخذها لنفسه، ثم حصل بينهم صلح، فخير ابنته فاختارت زوجها، فآلى على نفسه ألا تولد له بنت إلا دفنها حية، فتبعه العرب في ذلك (١)، وروي أن قيسًا وأد بضع عشرة بنتًا (٢).

٣ - وكان من العرب فريق ثان، يقتلون أولادهم مطلقًا؛ إمّا نَفَاسةً منه على ما ينقصه من ماله، وإمّا من عدم ما ينفقه عليه، وقد ذكرهم الله في القرآن فقال: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (٣)، وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (٤)، والآيتان وإن كانتا على العموم في النهي عن قتل الأولاد ذكرانًا وإناثًا، إلا أن الإناث يدخلن دخولًا أوّليًّا لما عُرِف من عادات العرب في الجاهلية من وأدهم البنات. ولذا قال الرازي في تفسيره عند تفسير سورة الأنعام: «والمراد منه النهي عن الوأد؛ إذ كانوا يدفنون البنات أحياء: بعضهم للغيرة، وبعضهم خوف الفقر وهو السبب الغالب» (٥).

وممن جعل آية الإسراء في وأد البنات قتادة، والبغوي، والزمخشري، والقرطبي، والبيضاوي، وابن كثير (٦) وغيرهم، وليس معنى هذا أنهم لم يقتلوا الابن


(١) ينظر: الفتح (١٠/ ٤٠٦).
(٢) ينظر: بلوغ الأرب، لشكري الألوسي (٣/ ٤٣).
(٣) الأنعام: ١٥١.
(٤) الإسراء: ٣١.
(٥) التفسير الكبير (١٣/ ١٩٠).
(٦) عزاه لقتادة السيوطي في الدر المنثور (٣/ ٣٨٣). وانظر: معالم التنزيل (٣/ ١١٣)، والكشاف (٢/ ٦٢)، والجامع لأحكام القرآن (٧/ ١٣٢)، وأنوار التنزيل (٣/ ٤٤٣)، وتفسير ابن كثير (٣/ ٣٩).

<<  <   >  >>